مجدي مغيرة:

 

من أجل إبعاد شعوبهم عن الدين ؛ قالوا أن رباط القومية أعلى وأقوى من رباط الدين ، حتى قال شاعرهم :

سلامٌ على كُفْرٍ يُوَحِّدُ بيننا      وأهلاً وسهلاً بعده بجهنَّمِ

وكنت أسمعهم يقولون : كيف تقف مع المسلم الإندونيسي ضد أخيك العربي المسيحي ؟ !

وكأن الأخُوَّة الإسلامية تقتضي بالضرورة محاربة المواطن المسيحي الذي يعيش معي على نفس الأرض !

وباسم القومية تحالفوا مع الإنجليز ، وثاروا ضد الخلافة العثمانية وطعنوها طعنة نجلاء في 2 يونيو 1916م بينما كانت تشارك في الحرب العالمية الأولى ضد الإنجليز والفرنسيين والروس الذي يحتلون أراضي المسلمين ، وسموا ذلك الغدر وتلك الخيانة باسم جميل هو : الثورة العربية الكبرى ، وبدلا من حصولهم على خلافة إسلامية عربية كما استغفلهم بذلك الإنجليز ، حكموا بلادا قد جزأتها ورسمت حدودها جاسوسة إنجليزية اسمها "جيرترود بيل" وقد سيطرت هذه المرأة على عقول زعماء عرب كبار لدرجة أنهم أطلقوا عليها اسم "أم المؤمنين" وكذلك اسم "خاتون العرب" تشبيها بـ "عصمت خاتون" زوج صلاح الدين الأيوبي .

وباسم نقاء القومية العربية حاربوا الترك ، وحاربوا الأكراد ، وحاربوا الفرس الإيرانيين ، وتنازعوا مع الأمازيغ .

وباسم القومية أعدموا الأحرار !!!

وباسم خيانة القومية حارب بعضهم بعضا ، وقتل بعضهم بعضا !!!

وباسم القومية  وتوحيد البلاد العربية تحت شعار : "أمة واحدة ذات رسالة خالدة" أهدروا ثروات البلاد ، وفتحوا السجون والمعتقلات للعباد !!!

ولم يحصدوا عبر كل هذه الدعايات والمؤامرات والخيانات إلا الهزائم على يد إسرائيل ، وخراب البلاد على يد اللصوص الذين عينوهم في مختلف المناصب ، وخراب العقول على يد الشيوعيين والملحدين  والاشتراكيين الذين مكنوهم من المؤسسات التعليمية والثقافية والإعلامية ، وتقسيم البلاد التي كانت تحت حكم واحد كمصر والسودان اللتين انقسمتا إلى دولتين، ثم إلى ثلاث دول فيما بعد ،  وكبلاد الشام التي انقسمت إلى أربع دول ، سلموا منها دولة إلى اليهود وهي أرض فلسطين ، وصارت الدول الثلاثة الأخرى تعيش حالة تجاذب وصراع شديد فيما بينها .

ثم بزعم كفرهم بالقومية التي جلبت لهم الكوارث ؛ اتجهوا إلى الوطنية ، وقالوا أن على كل بلد أن تهتم بشؤونها فقط ،  وأن تحافظ على تراب أرضها فقط ، وأن تدافع عن حدودها الجغرافية فقط ، ولا شأن لها بغيرها إلا من خلال المصالح المتبادلة ، حتى مشكلة الاحتلال الصهيوني التي كانت مشكلة إسلامية في عهد الخلافة العثمانية ، ثم مشكلة قومية لكل العرب في عهدهم الميمون ، صارت مشكلة فلسطينية لا شأن لغير الفلسطينيين بها ، أما هم فلا مانع من إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل مادام ذلك يحقق مصالح بلادهم حسب زعمهم ، بل ولا مانع عندهم من التحالف مع إسرائيل ضد دولة عربية أخرى إن كان ذلك يحقق لهم مصالحهم التي يدَّعون !!!

ثم هانحن نرى أن الوطن المقدس الذي طالما تغنوا به باسم الوطنية صار من الممكن بيعه بحفنة دولارات ، وها نحن نرى الحدود التي قامت من أجلها الحروب ، وسقط بسببها آلاف الجنود ، وقد تخلوا عنها ، وعدَّلوا فيها بالإضافة أو الحذف حسب ما تمليه الأهواء ، وتقتضيه المخططات !!!

وبذلك لم يعد لنا دينٌ نتمسك به وندافع عنه ، ونجعله دستور حياتنا !

وقد كفرنا بالقومية التي ظننا يوما أنها ستوحدنا ، فإذا بها تأتينا بكوارث لازلنا نلعق جراحها !

ثم ندوس الآن على مفهوم الوطنية القائم على تقديس تراب الوطن ، وتقديس حدوده السياسية التي رسمها لنا غيرنا دون أن يكون لنا فيه أي أثر أو تأثير !!!

فما الذي بقي ؟ !

لم يبق لنا سوى الخونة يستعبدوننا ، ويهدرون قدراتنا وثرواتنا ، فلا بدنيا فزنا  ولاديناً نصرنا ، وصرنا كما قال الشاعر :

نرقع دنيانا بتمزيق ديننا      فلا ديننا يبقى ولا ما نرقعُ

فهل وصلنا إلى نهاية المطاف ؟ !

هل وصلنا إلى قاعٍ سنستقر فيه إلى الأبد ولا يستخرجنا منه إلا علماءُ الآثار الذين سيأتون بعد عدة مئات أو عدة آلاف من السنين ليضعونا في متاحف يشاهدها الجمهور؟!

أم أننا سنمتلك شجاعة الاعتراف بالخطأ ، وعزيمة العودة لديننا مصدر فخرنا ، ولواء عزنا ؟ !

تأمل معي هذه الآيات الكريمة :

    " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57)" من سورة المائدة .
    " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)" من سورة التوبة .