وائل قنديل:
 
كم مرة قرأت خبرا بعنوان شيخ الأزهر يذهب إلى قصر الاتحادية؟ أظن أنها مرات عدة، تستعصي على الحصر، منذ اعتلى عبد الفتاح السيسي سدة الحكم، يستدعي شيخ الأزهر إلى قصر الحكم، على نحو لا يليق بمكانة الشيخ والمشيخة.

في المقابل، لم نقرأ أو نسمع أن السيسي ذهب إلى الأزهر، الجامع أو المشيخة، على الرغم من أنه لم يترك مناسبةً دينية إلا وخطب فيها، في أماكن مختلفة، باعتباره رئيس السلطة الدينية، وليس فقط السلطة التنفيذية، حيث يشرّع ويُفتي ويهرف ويجدّف في كل ما يتعلق بالإصلاح الديني وتجديد الخطاب، مع الوضع في الاعتبار أنه لا يستطيع قراءة آيةٍ قرآنية، أو حديثٍ نبوي، أو جملة عربية، بشكل سليم ومنضبط.

يتفرّد السيسي بين كل من حكموا مصر بأنه يرى نفسه أعلى من الأزهر، وأكبر من إمامه الأكبر. وبالتالي، لم يزر هذا الصرح العريق أبداً، دوناً عن كل حكام مصر، في العصر الحديث، من الملك فاروق وحتى الرئيس محمد مرسي.

يقول لنا التاريخ إن جمال عبد الناصر لم يجد مكاناً يحشد منه الجماهير، مع بدء العدوان الثلاثي على مصر، في العام 1956 إلا الجامع الأزهر، حين وقف على المنبر يعلن "سنقاتل" ضد القوى المعتدية على بورسعيد، لتنطلق بعدها ملحمة كفاح شعبي، تبقى محفورةً في الذاكرة الوطنية.

وبعد جمال عبد الناصر، ذهب أنور السادات إلى الأزهر، مصلياً وخطيباً ومدشناً مشروعات تطوير، حتى وإن كان ذلك في سياق حشد المجتمع ضد اليسار والناصريين، وكان حريصاً على عدم الاصطدام بمؤسسة الأزهر. وفي المرة الوحيدة التي نشبت أزمة بينهما، تراجع السادات، وانتصرت إرادة الأزهر، وكان ذلك في يوليو/ تموز 1974، مع صدور القرار الرئاسي رقم 1098، الذي أصبحت بموجبه مؤسسة الأزهر رسمياً تحت إشراف وزارة الأوقاف، الأمر الذي اعتبر ضربة كبيرة لاستقلال تلك المؤسسة وإمامها الأكبر.

وردا على ذلك القرار، قدّم شيخ الأزهر عبد الحليم محمود استقالته إلى السادات، ثم أقام الأزهريون دعوى قضائية ضد الرئيس ووزير الأوقاف، بهدف إلغاء المرسوم، وانتهى الأمر بتراجع السادات عن القرار، وعودة الإمام الأكبر إلى منصبه.

وبعد السادات، كان الرئيس المخلوع حسني مبارك حريصاً على الذهاب إلى الأزهر، في مناسباتٍ كثيرة، ولم يجرؤ مرة على إهانة منصب الإمام الأكبر، على الرغم من مواقف المشيخة، إبّان فترة الإمام الأكبر، الشيخ جاد الحق علي جاد الحق، الرافضة نهج مبارك في التطبيع مع الكيان الصهيوني، وتصدّيه لفتاوى وقوانين عديدة أرادت السلطة تمريرها، عبر المفتي محمد سيد طنطاوي الذي عين شيخاً للأزهر، على هوى مبارك، بعد رحيل جاد الحق.

وفي الشهور القلائل التي تولى خلالها الرئيس محمد مرسي الحكم، قبل انقلاب السيسي عليه، كان حريصاً على تدشين عهده بالذهاب إلى الجامع الأزهر.

وحده، عبد الفتاح السيسي، لا يطيق الأزهر، ولا يجد نفسه تحت سقفه، وبين أروقته، بل يعاديه منذ اليوم الأول، على الرغم من الخدمات المشينة التي قدمها الإمام الأكبر الحالي، الدكتور أحمد الطيب، لمؤسسة الانقلاب.

يطلق السيسي قطعاناً من شبيحة الخطاب الديني، الزائف، وأسراباً من سفلة القول، ضد الأزهر، مرة يتهمونه بالإرهاب، ومرّات بالرجعية والجمود، في محاولة لاختطاف سلطة الفتوى والتشريع والحل والعقد، وإسنادها إلى كائناتٍ من نوعية ذلك الداعية، الدعي، التلفزيوني، إسلام البحيري، الذي يسافر حول العالم مبشّراً بإسلام السيسي الحديث، يتحدّث في مؤتمرات، باسم الدين الإسلامي، المطابق لمعايير التصدير إلى أسواق الإسلاموفوبيا، يستعرض عضلاته وأزياءه، على طريقة مطربي الروك، ونجوم الأغنية الشبابية.. وتلك الـ "فاطمة ناعوت" التي هبطت، بفلوسها ونفوذها، على الثقافة المصرية، بعد سنواتٍ من الخدمة في السعودية، لتمرح في مراعي الكلام، متنقلة بين الشعر والخطاب الديني، في رعاية مؤسسات الثقافة السلطوية.

في وسط هذه المهزلة الحضارية، من الطبيعي أن تدلي إسرائيل بدلوها في شؤون الأزهر، وتنشط أوساطها السياسية والدينية والإعلامية، في تحديد دور المشيخة وضبط حركتها، لتكون متناغمةً مع أجواء صفقة القرن، وإعادة رسم الخرائط الثقافية والروحية للمنطقة.

السؤال الآن: هل يصمد شيخ الأزهر في معركة الأمة، أم أننا سنفاجأ به، مجدّداً، يهرول إلى قصر الحكم، ثم يخرج علينا بتجديد الولاء والطاعة لأمير المؤمنين، عبد الفتاح السيسي؟.

 

المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي نافذة مصر