علاء الشعار:

 

عندما تكبت الحريات ، وتهان الكرامة ، ويكثر الظلم .. تضيق الصدور ، صدور الظالمين الكابتين لحريات العباد ، فلا يطيقون أي صوت معارض أو مخالف لهم ،  وتضيق صدور المظلومين من شدة الظلم الواقع عليهم ، والذي قد يصل إلى انتهاك الحرمات و ارتكاب أول جريمة في التاريخ –سفك الدماء- ، فيأتي الأمر من السماء بمقارعة الظالمين ، فمن لم يستطع فعليه  بالهجرة ، كما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بالهجرة للحبشة ، وكما أُمر هوصلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة ، ومن قبله هاجر أبوه إبراهيم وأخوه موسى – عليهم صلوات الله أجمعين- ، قال تعالى : " ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة .....الآيــــة  )" 100سورة النساء" .

 بل إن من لم يستطع مقاومة الظالمين في مكانه ودفع الظلم عن نفسه أوعن المظلومين، ورضى بالذل والاستكانه ، ولم يهاجر فهو آثم ، فهو بطريقة أو آخرى سيجبر على اقتراف ظلم ويشارك فيه ، كما أجبر من تخلف عن الهجرة على قتال المسلمين في غزوة بدر وقتل منهم من قتل فنزل قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) فَأُولَٰئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (99) النساء"

 إن هجرة الأوطان صعبة ومريرة على النفس ، ولكن الأصعب منها أن تهان في وطنك .. وأن يكون رمز الأمان  مقصلة و مقبرة و سجن كبير ، لكل مصلح يقول : لا للظالمين .. ساعتها يحترق الوجدان والعين تذرفان و يتمم اللسان بما قاله سيد الأنام صلى الله عليه وسلم ( ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت ) .

لا شك إن الخاسر الأكبر من الهجرة ليس المهاجر المظلوم المضطهد ، فهذا إن عاجلا أو آجلا سيجعل الله له فرجا قريبا ومخرجاً و ( يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ) ، ولكن الخاسر الأكبر هو الوطن الذي يفر عن أرضه الأكفاء المخلصين الأخيار ، ويعبث به  الظلمة من السفهاء والجهلاء والفجار ،  حتى وإن إرادوا الإصلاح فلن يفلحوا ، ليس لأنهم لا يملكون أدوات الإصلاح فحسب ، وإنما لأن الله تعالى قال وقولـــه الحق : ( إن الله لا يصلح عمل المفسدين ) "آية 81-يونس " .

ويجاورهم في هذا الوطن – الذي تقزم في عيون الناس – شعب  تذريه الرياح من العجزة والمنافقين ، الذين خذلوا المظلومين وهللوا للظالمين – إلا ما رحم ربي – وهذا الشعب لا تقوم به نهضة ولا يرتقي به وطن ، بل حتى اللقيمات التي أكلوها بالجبن والخنوع ، وتركوا من أجلها طريق الكفاح ، وعاشوا عيشاً أذل من عيش الفئران ، هذه اللقيمات سيفقدونها يوما ما ، فساعتها تزيغ الأبصار وتبلغ القلوب الحناجر ، ولا ندري ما سيحدث لوطن مكلوم ، فــ " ليس لها من دون الله كاشفة".

هل ثورة جياع..؟ أم حرب أهلية ..؟ أم هجمة خارجية تدمر الوطن وفيه الظالم والمظلوم ؟ أم....؟ أم.......؟ أم ماذا....؟

لو فقه كل ظالم جاهل غشوم لعلم أن الأوطان تنمو وتزدهر وتسع الجميع بالحرية والعدل والمحبة والإخاء ، وتضيق  وتتقزم بكبت الحريات والظلم والعداوة والبغضاء .

 

لَـعَـمْــرُكَ مَـــــا ضَــاقَـــتْ بِـــــلاَدٌ بِـأهْـلِـهَــا --- وَلَــــكِــــنَّ أَخْــــــــلاَقَ الــــرِّجَــــالِ تَـــضِـــيْـــقُ .

 

 

المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي نافذة مصر