لم تتوقف كوارث تفريعة السيسي بقناة السويس عند حد إهدار المليارات من المال العام فى مشروع بلا جدوي اقتصادية وتتوقف أرباحه على حركة التجارة العالمية التى أصابها الكساد، أو التأثير الهندسي –بعيد الأجل- على القناة الأم جراء الحفر المتسارع من أجل إنجاز المشروع فى عام واحد، وهو الأمر الذى حظر منه خبراء الجيولوجيا، وإنما امتد التأثير السلبي على النظام البيئي وطبيعة الحياة البحرية فى البحر المتوسط.

ولأن تلك الكوارث المتلاحقة هى النتاج الطبيعي لمشروع تم على نحو متسارع مصحوبا بصخب إعلامي زاعق دون دراسة جدوي أو تحليل علمي أو استشارة بيوت الخبرة هندسيا واقتصاديا وبيئيا، كان من المرتقب أن يعلن خبراء البيئة وعلوم البحار عن الأثار السلبية لحفر التفريعة على البحر المتوسط وتسببها فى تغير طبيعة الحياة فى تلك البقعة ما ينذر بتغير حاد فى طبيعة الحيوانات البحرية على طول السواحل ومواجهة غزو الكائنات الوافدة.

شبكة «CNN» الإخبارية، كشفت فى تقرير لها اليوم عن رصد خبراء علوم البحار غزو أسراب من قناديل البحر اللاسعة لشواطئ دول شرق البحر الأبيض المتوسط مطلع هذا الصيف، بعد توسع قناة السويس الجديد، بعضها يتسم بالسمية والتى تنتمي إلى عوالم المحيط الهندي.

وأوضح التقرير أن القناديل "الوافدة" المعروفة علميا باسم Rhopilema nomadica، هي جزء من أعراض مشكلة أكبر من غزوها لمياه الشرق الأوسط، إذ ليس من المفروض أن تكون في هذه المناطق على طول سواحل البحر الأبيض المتوسط، كونها من مخلوقات المحيط الهندي، الذي يبعد آلاف الأميال.

ونقل التقرير عن عالمة الأحياء البحرية بيلا جليل، أن القناديل جاءت عبر تفريعة السيسي الجديدة بقناة السويس، موضحة أن القناديل الوافدة واحدة من الكثير من الأنواع الغازية التي جعلت البحر المتوسط مسكنها.

وأشارت جليل -عضو المعهد العبري لعلوم البحار- إلى مخاطر تلك الأنواع الغازية من القناديل على الحياة فى البحر المتوسط، معلقة: "لقد دفعت هذه القناة الكثير من أنواع الحيوانات الغريبة، التي حلت محل حيوانات المنطقة الأصلية."

وأوضحت: "الحيوانات الغازية مثل قناديل البحر المتنقلة باتت تحل محل الحياة البحرية المحلية في المنطقة، وتغير النظام البيئي بشكل كبير وسريع"، متوقعة أن المشكلة تزداد سوءا مع التوسع الأخير لقناة السويس، مشبهة توسعها بشق طريق سريع للحيوانات الغازية، وواصفة إياها: "أصبحت ممرا للغزو.. ممر في اتجاه واحد للغزو."

جليل أكدت أن قناة السويس كانت تمتلك حاجزا طبيعيا لمنع هذه "الغزوات" من الوصول إلى البحر المتوسط وهو الأمر الذى كان يحافظ على نمط الحياة البحرية به، وهو سلسلة من المناطق المالحة "البحيرات المرة"، التي تعد مياهها أكثر ملوحة من المياه المحيطة بها، وساعدت على منع الحيوانات البحرية الأخرى من المرور عبر قناة السويس.

وشددت عالمة الأحياء المائية على أن أعمال التوسع الأخيرة دمرت هذا الحاجز الطبيعي، وسهلت تنقل الحياة البحرية من البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط، حاملة بعض الكائنات الأكثر خطورة وسمّية، وهو ما ينذر بعواقب كارثية على البيئة البحرية وحياة الكائنات الأصلية.

وكانت"الجارديان" البريطانية قد كشفت فى تقرير أعده باتريك كينجسلي، عن الأضرار البيولوجية المحتملة لمشروع تفريعة قناة السويس، مشيرة إلى أن مخطط قناة السويس "يهدد النظام البيئي والنشاط البشري في البحر الأبيض المتوسط".

ونقل التقرير عن علماء وباحثين دوليين أن التفريعة الجديدة تنذر بغزو المزيد من الكائنات البحرية الضارة للبحر المتوسط عبر البحر الأحمر، ويحتمل أن يمتد الضرر المحتمل إلى المنطقة ككل، مشيرة إلى أن 18 عالمًا بيولوجيًا طالبوا بالضغط على مصر لإجراء تقييم للآثار البيئية المحتملة جراء توسيع القناة.

المخاطر البيئية التى ظهرت على السطح على وقع التفريعة الجديدة، جاءت لتنضم إلى قائمة طويلة من الكوارث التى خلفها المشروع، والتى يأتى على رأسها الجانب الأمني المتمثل فى عزل سيناء بالكلية عن مصر، فضلا عن فقدان الجيش السيطرة على منطقة وسط سيناء الاستراتيجية فى حال الدخول فى صراع مسلح مع العدو الصهيوني.

وتأتي التفريعة لتمثل حائط صد يحول دون سيطرة الجيش المصري على منطقة الممرات الخطيرة فى قلب سيناء، وهى ممرات "وادي متلة" و"الجدي" بين سلسلة جبال وعرة، والتي حدث منها الاحتلال الاسرائيلي عام 67، حيث سمحت للاحتلال قطع مسافة 50 كم فقط فى عمق الأراضي المصرية للوصول إلى الضفة الشرقية، وهى ما جعلها على رأس أولويات تأمين الجيش المصري، غير أن الواقع الجديد بات يجعلها على بُعد مانعين مائيين وهو ما ينذر بعواقب وخيمة فى ضوء التوترات المتسارعة التى تشهدها المنطقة العربية.

تفريعة السيسي تكشف يوما بعد يوم عن حجم المأساة التى عاشتها مصر على وقع أنغام "مصر بتفرح"، بعدما ابتلعت قرابة 80 مليار جنيه فى عمقها دون جدوي أو عائد، وتأثيرها السلبي على الاقتصاد من أجل تسديد عوائد شهادات الاستثمار ذات الـ12 % عائد، ولازالت التفريعة لم تبح بباقي كوارثها .. وربما القادم أسوأ