فوجئت، يوم الأربعاء، بأن مهنة الخاطبة ما تزال بقاياها موجودة في مصر، ففي لغة مبتذلة لا تستخدم إلا على الأرصفة، قال قزم الانقلاب للرئيس الفرنسي: الزيارة دي مش محسوبة. كان المشهد ينقصه أن يرتدي صاحب الهاشتاج الشهير، إيشارباً مزركشاً وأن يُحَنِّي يديه ويمسك في يده مجموعة من صور الفتيات، يعرضهن على  سي فرنسوا هولاند، ثم يقرأ له الفنجان أو يضرب له الودع! يومها أدركت أن مهنة الخاطبة لم تختف تماماً من مصر!  

ذلك المستوى الضحل المتدني ولغة الخطاب التي لا يستخدمها إلا ربات البيوت العجائز في الثلاثينيات، التي تذكر من يسمعها بفردوس محمد وأدوارها في السينما، لم تتوقف فقط عند الجمل غير المفهومة ولا التلعثم الواضح، بل تتعدى ذلك إلى لغة الجسد المرتبكة المهتزة والوقفة الذليلة، مثلما فعل مع بوتين حين كان ينظر إلى الأرض مكسور العين خافض الرأس، ومثلما فعل مع الرئيس الفرنسي الذي كان يقف أمامه ويده في جنبه، كما يفعل أي عسكري أمام قائده ورأسه منحنية، ولا يجرؤ أن يرفع عينه في مستوى عين الرئيس الفرنسي، بالإضافة إلى السعادة البالغة لأن السيد الأوربي قبل مقابلته، وهو ما دفع صحيفة لا ستامبا الإيطالية واسعة الانتشار إلى وصفه بالأخرق، حيث قالت " ظهر مبتسماًً بسعادة وبدى أخرق إلى حد ما".
 
ذلك الإحساس بالسعادة هو ما ظهر عليه في لقائه مع الأمين العام للأمم المتحدة، حيث بدا وقتها يوشك أن يقفز على المقعد من شدة سعادته بلقائه، وهو التعبير نفسه الذي ظهر على وجهه في صورة قديمة، حين كان يجلس عاقداً كفيه بين ساقيه ويبتسم في سعادة، بينما وزير الدفاع الأمريكي يتحدث للرئيس مرسي.

هذا السلوك نعبر عنه باللهجة المصرية بمصطلح عقدة الخواجة، وهو ناتج عن السحق النفسي لمجتمع عاش تحت نير الاحتلال البريطاني سبعين عاماً، تمت فيه أكبر محاولة لمحو الهوية الإسلامية لمصر، وكان سهلاً على المهزوم أن يعتنق ثقافة المنتصر.

الكثيرون أفلتوا من ذلك التأثير، ولكن البعض وقعوا أسرى له، فعند هؤلاء ومنهم قزم الانقلاب، كل ما يقوله الأمريكيون مسلمات لا تقبل المناقشة، والحضارة والرقي لا يوجدان إلا في الغرب، وبالتالي يصبح رضا السيد الأبيض أقصى أماني هؤلاء المسحوقين نفسياً، وبالطبع فإن شخصاً مثل ذلك مع عيوبه النفسية وانعدام القدرة على التخاطب عنده، لا يمكنه إقناع المصريين بأن يحكمهم سوى عن طريق إعلام مضلل وأنظمة دولية تدعمه، ولا يمكن لمن عينوه أن يستمروا في دعمه خصوصاً مع الرفض الشعبي المتزايد له، وبعد أن أصبح مسخرة الشارع ومثار النكات في مصر، فكان لابد أن يخلع المزيد من ملابسه، وهو يدرك أن الكيان الصهيوني هو مفتاح أمريكا، ولذلك أسرع بالتنازل عن حقول الغاز البحرية المصرية لقبرص، التي نعلم جميعاً أنها واجهة للكيان الصهيوني.


 بل إنه لمزيد من الانبطاح وخلع الملابس، ولأنه يعلم أن الكيان الصهيوني الذي يحتفظ بعلاقات ممتازة مع قادة إيطاليا كما اعترف رينزي، هو مفتاح إيطاليا، قال علناً دون حياء أنه سيضمن أمن " إسرائيل"، وظهرت صحيفة كورييري ديلا سيرا تحمل عنوان " سنضمن أمن إسرائيل"!! وهي فضيحة ليس لها مثيل في تاريخ مصر الحديث. 

 ولكن الشرعية لا يمكن الحصول عليها باستخدام لغة الخاطبة وحديث الأرصفة، ولا عن طريق التذلل لرؤساء دول أوربا، بل الشرعية تأتي من الشعب نفسه، وهو الشعب الذي طارده ثواره بالأمس، فأجبروه على الهرب من الباب الخلفي لمقر اجتماعه مع رجال الأعمال في باريس.