كتبتها الشهيدة "حبيبية عبدالعزيز" في 8/8/2013 قبل استشهادها في فض رابعة 14/8/2013

في منتصف 2012 وبعد سقوط الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح في المرحلة الأولى في الانتخابات، وخروج الشيخ حازم من السباق الرئاسي قبل بدايته، وجدت نفسي كمعارضة للإخوان ورافضة لترشح أي شخصية من الجماعة أو من ذراعها السياسي حزب الحرية والعدالة (وما زلت) بين خيارين أحلاهما مر. 

لوهلة .. احترت في أمري !! أأقاطع الانتخابات أم أعطي صوتي لأقل الشرين ضررً ؟
حسمت موقفي بمجرد أن تخيلت مصر رهينة لحكم العسكر ونظام إنْ عاد فسينتقم من كل من ثار عليه فلا يتبقي في مصر من يحميها أو يستنهضها في المستقبل. 

و عليه .. قررت "أعصر على نفسي لمون" وأصوت لمرشح الإخوان، الرجل الذي لقب ب ألقاب أقلها حقارة "الاستبن" وصورت لي صورة وأنا شايلة عصير لمون في يد وورقة الاقتراع في الأخرى. وشاركت في حملة دعم ترشحه على وسائل التواصل الاجتماعي على أمل إنقاذ مصر والربيع العربي من موت محتم يكلف الآلاف من الأرواح إن لم يكن الملايين ويضمن لإسرائيل نصر تاريخي لم تطلق لتحقيقه رصاصة. 

أتذكر جيداً يوم إعلان نتائج الانتخابات، والشعور بالهلع، وبجاتو يقرأ التقرير ببطء شديد (شعور في حد ذاته رائع؛ لإني لأول مرة كمصرية أدليت بصوتي دون أي علم مسبق بالنتيجة و بيقيني أن الملايين التي شاركت في العملية الإنتخابية ستقرر مستقبل مصر فعلاً وكلي أمل أن ينتصر الشعب لنفسه وثورته لأحرار العالم) .. أتذكر انخراطي في البكاء بمجرد إعلان النتيجة .. أتذكر شعوري بالفخر ببني جلدتي .. أتذكر استشعاري أن النتيجة كانت بداية القصاص لأرواح الشهداء ..أتذكر يقيني أن اختيار مصر الحرية بدلا من العبودية أعطى الربيع العربي أملا بأن إرادة الشعوب تستطيع ـ بالفعل ـ إسقاط نظام فاسد واستبداله منتخب يمثل الشعب. 

مع الوقت أدركت أن الديموقراطية ليست كالثورة .. فالثورة لا تقبل أنصاف الحلول في الوقت التي تقبل فيه الديموقراطية بمواءمات ترفع الضغط بهدف إلإسراع في استقرار البلاد .. وبأن علينا ـ كشعب ـ إعانة الرئيس بالضغط الشعبي؛ لمواجهة الدولة العميقة التي بدأت منذ اللحظة الأولى في إعاقة كل محاولات التطهير والاستقرار.

مع بعض الوقت شاهدت الرئيس يحاول تحقيق حالة من المصالحة بين التيارات السياسية و الأحزاب والحركات الشبابية المختلفة. وشاهدت محاولاته تفشل، ثم شاهدته يزيح طنطاوي وعنان عن الساحة السياسية دون أي محاكمة أو تحقيق في الجرائم التي ارتكباها في حق شباب مصر. ثم رأيته في شهر أغسطس يصدر قراره الثوري الأول بإقالة النائب العام محمود عبد المجيد.

وفوجئت بتيارات سياسية وأحزاب عدة من ضمنها مصر القوية ترفض إقالته تحت مسمى احترام القضاء على الرغم من أن إقالته كانت مطلبا أساسيا من مطالب الثورة. وأن إقالته لن تكون ممكنة دون قرار ثوري، وعلى الرغم من وقوف من كنت أحسبهم من "الشرفاء" مع الفلول الرافضين لتلك الخطوة، ورأيت تراجع الرئيس عن قراره .. حينها أدركت أن مصر على وشك أن تنقسم إلى فسطاطين وأن الأقنعة بدأت في التساقط.. 

حالة الاستقطاب ـ كما يسميها السياسيون ـ وصلت إلى ذروتها عندما أصدر الرئيس إعلانه الدستوري التاريخي الذي أحسبه إلى اليوم ثوري بالدرجة الأولى، الذي بموجبه أقال النائب العام الفاسد، ووحد السلطات في شخصه بشكل مؤقت، وحصن قرارته المحصنة أصلاً بحكم موقعه من تطاول المحكمة الدستورية، كما رأينا خلال محاولة إقالة عبد المجيد الأولى. 

على إثر الإعلان الدستوري، بدأ هجوم شنيع على الرئيس والجماعة و نعتِه بالديكتاتور على الرغم أنه فعلياً لم يسئ استخدام سلطاته كما كنت أتوقع؛ لإنه رجل يخشى الله سبحانه و تعالى بالدرجة الأولى. ورأيت حركات سياسية وأحزاب كنت أحترمها تشارك الفلول في مظاهراتهم، مثل التيار المصري الذي كنت عضو حديث فيه، وعلى إثر تلك المشاركة أعلنت استقالتي في اليوم نفسه في خطوة حولتني من معارضة بالمطلق إلى معارضة تتحرى الحق و تتبعه بغض النظر عن الثمن. 

بعد تلك الخطوة التاريخية دقت الدولة العميقة طبول الحرب بالتعاون مع الإعلام المصري الخائن، وحُرقت مقرات الحرية و العدالة ومقرات الجماعة واستشهد إسلام ابن ال 15 ربيعاً بالشوم، وأعلن مع قتله دخول مصر في مرحلة أصبح الدم الإسلامي فيها أرخص من الأرض التي تشبعت به. 

تبعت تلك الأحداث محاولات اقتحام الاتحادية ومجزرة الاتحادية التي استشهد على إثرها 12 شابا من شباب الإخوان ومحاولات حرق المركز العام للجماعة في المقطم. 

تحولت في تلك الفترة من شابة ثورية صاحبة رأي إلى خروف يُضحى به على مذبح بلطجة "المعارضة" على أيدي من وقفت معهم في نفس المعسكر في يوم من الأيام سواء أصدقاء أو معارف الثورة. 

مع إعلان الحرب، أصبح المواطن المصري أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الوقوف في معسكر الباطل أو في معسكر الحق، والابتعاد عن الحياد لإنه في حد ذاته جريمة .. فآثرت ـ كمواطنة مصرية ـ الطريق الوعر وأعلنت تأييدي للحق وإن كان الثمن حياتي أو حياة أعز الخلق إلى قلبي .. أبي وأمي وإخوتي.. 

وها أنا أعود من الغربة لأعتذر لمرسي عن عصري اللمون على نفسي لإن محدش تاني كان أهل لهذه المرحلة، ولأشارك أهل رابعة المصير .. إما نصر أو شهادة..