•البلطجية وأسلحة الداخلية المتعددة والقنص من أعلى مباني الأزهر أبرز ملامح المجزرة
•قنابل غاز فاسد وبلطجية من المسيحيين والملتحين ومندسين للحث على الاشتباك
 
كتب : فجر عاطف صحصاح
 
مع مرور عام على واحدة من أشد مجازر الانقلاب دموية وبطشا؛ وهي المجزرة التي كثرت تسمياتها؛ حيث أسماها البعض مجزرة "المنصة أو النصب التذكاري" نظرا للمكان الذي ارتكبت فيه، ولكن الأهم أن البعض أطلق عليها مجزرة "التفويض" لكونها أول المجازر التي جاءت بعد أن طلب قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي من مؤيديه الخروج في تظاهرات لتفويضه في محاربة ما أسماه "الإرهاب" والذي لم يكن يعني لديه سوى مؤيدي الشرعية، وبعدها وفي الليلة نفسها أقدم هو وقواته وأتباعه على القيام بتلك المذبحة البشعة، والتي أدت إلى إرتقاء ما بين 130 إلى 220 شهيدًا وما يزيد عن 5000 مصاب. 
كانت المجزرة رسالة لكل مؤيدي الانقلاب أنه لا يعرف غير لغة الدم، وأن أي تأييد له لا يعني سوى المزيد والمزيد من القتل والسفك وإراقة الدماء.. كانت المجزرة في يوم من أيام شهر رمضان الكريم، حيث تناول المعتصمون طعام سحورهم من الرصاص الحي والغاز والخرطوش.
حاولت "الحرية والعدالة" وبصعوبة شديدة أن تفتش عن ذكرى تلك المذبحة الدامية في عيون بعض من عاصروها، فللأسف كان استدعاء تلك المشاهد أمرا مؤلما للغاية في نفوسٍ تحاول بصعوبة أن تكمل مسيرة الحياة رغم تلك المعاناة الدامية واللحظات القاسية التي عاشتها.
 
يضعنا بعض شهود العيان في الصورة الحقيقية للمجزرة أثناء وقوعها، وكيف تطورت على أرض الواقع، فعند البداية يقول مصطفى صلاح -محامٍ-: بعد دقائق من انتهائنا من صلاة التراويح، سمعنا المنادي في الميكروفون يقول إن هناك مسيرة حاشدة ومن أراد الانضمام لها يذهب عند "البنزينة"، وبالفعل ذهبت ووقفت في الصف، وكانت بالفعل مسيرة كبيرة جدا، وعند وصولها أعلى أو قبل كوبري المشاة عند جامعة الأزهر بقليل، وفجأة ودون سابق إنذار، ظهرت سيارات شرطة ومدرعات، وبدأ ضرب غاز بكثافة جدا، وهنا تراجع الناس وحدث تدافع كبير، واضطررنا إلى الرجوع ما يقرب من 50 مترا تقريبا، وشعرنا حينها أنهم يريدون اقتحام الميدان، فبدأنا في بناء أسوار من خلع "بلاط" الأرض والأرصفة، لنبني بيننا وبين قوات الداخلية جدارا عازلا، وذلك من ناحية الاستاد ومن قلب شارع النصر، وقد استمر الكر والفر، مع ضرب غاز كثيف ما يرقب من ساعتين، بعدها بدأ الرصاص الحي، فوجدنا الشباب يتساقط غارقا في دمائه، وقد كان هذا تحولا شديدا في أحداث المجرزة، حيث بدأت أعداد المصابين والشهداء في تزايد سريع. 
 
يتابع"صلاح" كان اثنان أو ثلاثة هم عدد من يصابون في الدقيقة الواحدة على الأقل، ولذا فقد كنا نتراجع، ومع كل اضطرار للتراجع نبني سورا أو حاجزا جديدا، واستمر هذا الأمر حتى الصباح، والمعتصمون ليس معهم سوى "الطوب" ليحموا بها أنفسهم من وابل الرصاص الحي والخرطوش والغاز. 
يؤكد: وقد رأينا أيضا استعانة الشرطة بقوات من البلطجية، وكان كثير منهم يرتدون "تيشرتات" حمراء، لا أعلم لماذا، ومن أقسى ما حدث لي يومها أني رأيت أحد القناصة أصاب شابا إلى جوارنا أمام عيني -18 عاما- حيث أصابته رصاصة في رأسه فشطرته نصفين، حتى أني رأيت أحشاء رأسه من الداخل.. ودماءه كأنها بحر، أما أنا فقد أُصبت بشظايا بسيطة في الرأس أيضا، لم تؤثر، لكني بعدها دخلت في حالة هلع لا إرادية، وأحد أصدقائي الأطباء ظل يصب فوق رأسي ماء، وظللت هكذا طوال اليوم. وقد أصيب أخي أيضا بطلقة دخان في يده، فكُسرت بسببها.
وبعد عودتي إلى المنزل فتحت التلفاز، فإذا بخيري رمضان -الإعلامي الانقلابي- يدّعي أن المتظاهرين كانوا يضربون الخرطوش على الشرطة، وهنا لم تتحمل أعصابي كل هذا الكذب والتضليل، فأغلقت التلفاز وظللت ثلاثة أيام في شبه غيبوبة مما حدث.
 
بقعة المسك
أما محمد حرحش فيؤكد: في هذا اليوم وصلت عند الكوبري ناحية جامعة الأزهر في حدود الحادية عشرة ليلا، وهناك كانت قوات الشرطة والجيش قد أغلقوا المكان من جميع الاتجاهات، وكانوا مستمرين في الضرب بقنابل الغاز، والخرطوش، والرصاص الحي، وقد أصيب أكثر من شخص أمام عيني.
يتابع: في الأثناء أصبت باختناق شديد من أثر الغاز الكثيف، وحملني صاحب إحدى محال "السوبر ماركت" في الشارع، وساعدني حتى استطعت الوقوف على قدمي، وقبل الفجر بقليل وأثناء الضرب الشديد، رأينا ومعي بعض من أصدقائي "بوكس" شرطة كان في طريقه للدخول للمكان من عند بداية جامعة الأزهر، فوقفنا أمامه لمنعه، لأنه كان محملا بالكثير من الأسلحة وقنابل الغاز، وعندما اعترضناه، فوجئنا بالضرب الكثيف علينا من أعلى الكوبري ومن قوات الأمن التي تغلق الطريق، ضرب كثيف بالغاز والخرطوش؛ كل هذا حتى نتحرك من أمام سيارة الشرطة ونتركها تدخل بكل هذه الشحنة من الأسلحة، وبالفعل تمكن هذا "البوكس" من المرور.
ومما أذكره أيضا، أني كنت في هذا اليوم وسط ما يقرب من سبعة أو ثمانية من الأصدقاء واحد فقط منهم من الإخوان والباقي ممن لا ينتمون إلى الجماعة في حين أنهم من مؤيدي الشرعية، وكذلك الأمر بالنسبة للمسيرة التي كانت تقف منذ بداية الضرب فقد كان أكثرها ممن لا ينتمون إلى أي تيار ديني تماما بل كان بعضهم ممن لم يصوّت للرئيس مرسي في الانتخابات، ويومها أيضا لاحظنا بعض المندسين الذين كانوا يحثوننا على الاشتباك، في حين أن مظهرهم كان مفضوحا لنا.
يضيف"حرحش": بعد دخولنا إلى الميدان بعد فجر هذا اليوم، أقسم أحد الأصدقاء أنه قد شم رائحة ذكية لم يشم مثلها سوى في مسجد النبي –صلي الله عليه وسلم- في المدينة المنورة؛ أي أنه كان يعني أنها رائحة مسك ذكية جدا، إشارة إلى أنها لشهداء بإذن الله عند الله من المقبولين.
 
وهو أيضا ما يشير إليه جمال عبد الرحمن فيقول: لم أكن قد ذهبت إلى ميدان رابعة قبل ذلك، ولكن وقبل مجزرة الفض بأيام قليلة ذهبت لأرى بنفسي ولا أعتمد فقط على أحاديث الإعلام، وهناك ومعي أحد أصدقائي شممنا رائحة المسك المنبعثة من بقعة دم لشهداء تلك مجزرة المنصة.
أما عبد الله نجيب فيقول: كنت موجودا منذ بداية الضرب، حيث بدأ الاعتداء من قبل قوات الداخلية في حدود 11 مساء، وذلك بقنابل الغاز الكثيف والخرطوش، ثم تطور الأمر إلى أن أصبح رصاصا حيا وقنصا بشكل مرعب خاصة في الصباح، وكنت في هذه الأثناء قد عدت إلى الميدان للإتيان ببخاخ مياه لإسعاف بعض المصابين، وأصبت بخرطوش في سمانة الرجل، واستقرت بقرب العظم، وخرطوش آخر في القدم، وهما موجودان إلى الآن. وحين أخذوني إلى خيمة لإسعافي، علمت أن أحد أصدقائي أيضا قد أصيب ولكن برصاص حي في قدمه حيث دخلت رصاصة في جانب من قدمه وخرجت من جانب آخر، فطلبت منهم أن يحملوني لأطمئن عليه، وبالفعل ذهبت إليه.
يضيف: من أكثر المواقف التي لا أنساها أن أحد الشهداء أسلم الروح وهو على حجر صديقي، وقد كان إبان احتضاره ينظر إلى صديقي ويقول: "اثبتوا".. ثم فاضت روحه.
 
يتابع نجيب: رأيت قوات الداخلية ومعهم بلطجية بزي مدني، بالإضافة إلى قناصة أعلى جامعة الأزهر، ومن وجهة نظري فقد كانت أكثر الجرائم في هذا اليوم هي عدد الضحايا الكبير مقارنة بالوقت الذي تمت فيه المجزرة، حيث إنه وفي أول عشر ساعات فقط ارتقى عدد كبير من الشهداء لم يكن متوقعا، هذا بخلاف أن المجزرة البشعة تلك كانت في رمضان أي أنهم لم يراعوا لا حرمة الدماء ولا حرمة هذا الشهر الفضيل، كذلك فمن العار أن تستخدم جامعة الأزهر لقنص وقتل طلاب جامعة الأزهر أيضا، فقد قتلوا طلاب الأزهر من فوق جامعتهم.
 
بلطجية وقناصة
 وفي شهادته يشير أحمد مصطفى: أتذكر من أهم المشاهد التي لا تنسى كثرة عدد "البلطجية" التي كانت تهاجم المعتصمين السلميين وكل من كان في المكان، وكان بعض هؤلاء "البلطجية" داخل المدينة الجامعية لجامعة الأزهر، وقد تمكن بالفعل بعض الشباب من الإمساك ببعض البلطجية، ووجدوا بحوزتهم "خرطوش"، وقد تبين بعد الإمساك بهم أنهم مسيحيون، في حين سلمهم الشباب للمسئولين عن التأمين في الميدان.
يضيف أحمد: أتذكر أيضا أن البعض كان أمله ما زال معقودا في قوات الجيش، حتى إنهم ظنوا أن الجيش قام بضرب النار على الشرطة لحماية المعتصمين، لكن ما حدث أن قوات الجيش التي كانت منوطة بحماية النصب التذكاري كانت قد أصيب بعضها من جراء كثرة قنابل الغاز الملقاة من الشرطة، فشعر الجنود بالاختناق؛ فقاموا بإطلاق النار في الهواء لتنبيه قوات الشرطة لمكانهم فقط، وليس لحماية المعتصمين.
ويرى "أحمد" أن أفراد المسيرة التي اضطرت للبقاء ودفع عدوان الداخلية ومحاولة منعهم من الاعتداء على المعتصمين وعلى الميدان كانوا أسودا، وقد ظلوا يقاومون ويردوا اعتداء الداخلية بثبات منقطع النظير، وقد ظلوا مع غيرهم من الشباب يقاومون حتى أن بعض قيادات الاعتصام جاءوا ليقنعوا الشباب بالرجوع، لكنهم رفضوا حتى ترحل الداخلية. 
 
وبحسرة وألم يتذكر "أحمد" مشهد القناصة الذين اعتلوا مباني جامعة الأزهر والمدينة الجامعية، وأخذت في قنص المتظاهرين بشكل مباشر، فجاءت الإصابات جميعها خطيرة وأغلبها كان قنصا في الرأس، كل ذلك والمعتصمين لا يدافعون عن أنفسهم سوى بالحجارة فقط.
ومما أتذكره بحسرة شديدة -والحديث لأحمد- هو الموقف المخزي لسيارات الإسعاف التي كانت موجودة في شارع الطيران، فقد كان المسعفين يخشون من الدخول للمكان للإتيان بالمصابين لإسعافهم، أو ربما كانت لديهم أوامر بذلك، ولم يكن يتحرك منهم أحد إلا بعد أن يعنفه الشباب بشدة، هذا رغم قلة عددهم في الأساس، ولذا فلم يكن للإسعاف يومها دور مؤثر، بل إن معظم المصابين كان الشباب هم من ينقلهم حملا على الأكتاف أو على الدراجات النارية حتى الوصول إلى المستشفى الميداني بداخل الاعتصام.
  ويرى "أحمد" أن الهدف من تلك المجزرة في نظره كان بث الخوف في قلوب المعتصمين وإجبارهم على فض الاعتصام، الأمر الذي لم يتحقق بالطبع.
 
ولا ينسى "أحمد" من استشهد على كتفه يومها، فيقول: قنصه أحد القناصة برصاصة في رأسه سمعت معها كسر رقبته بأذني، كان مجرد شخص يسير بجانبي ولا أعرفه، شابا في حدود الثلاثين من عمره، وفجأة ونحن أمام المدينة الجامعية تقريبا في حدود السادسة صباحا، جاءته رصاصة من أعلى مبنى المدينة، فأخذناه سريعا لسيارة الإسعاف القريبة، ولكنها رفضت أن تسعفه، فأخذناه على دراجة إلى المستشفى الميداني، في حين كان قد فارق الحياة، واضطر الشباب لتركه في المستشفى وغادروا لاستكمال مهامهم.
يضيف "أحمد" كان مما شعرت به في تلك الواقعة أن الله تعالى يعلم من يصطفي من الشهداء، فقد كان الفارق بيني وبين هذا الشخص خطوة واحدة، في حين اختارته الرصاصة وأصابته هو، أحسبه بإذن الله عند الله شهيدا. 
وفي شهادة أخرى يلفت "محمد العربي" النظر إلى عدد من المشاهد التي توقف عندها في هذا اليوم، وهي أنه وبعد انتهاء الضرب، وعندما عاد إلى مكانه في الاعتصام قال له بعض الشهود إن أحد المعتصمين وكان مكانه بداخل مدرسة "عبد العزيز جاويش" قد تم قنصه وهو داخل المدرسة.
أيضا بعد انتهاء الضرب يومها، حاولت أن أنام -والكلام لـ"العربي"، ولكني لم أستطع من ألم شديد في البطن، فأخذني الشباب إلى المستشفى الميداني، وهناك قالوا لي إن هذا تسمم نتيجة التعرض لقنابل غاز "فاسدة" وأن هذه ليست الحالة الوحيدة التي اشتكت من هذا النوع من التسمم يومها.
ويلفت "العربي" الانتباه إلى أن مظاهر البطولة والشجاعة التي أبداها الشباب يومها كانت من أهم الملاحظات، فقد أخذوا نتيجة لاعتداء الشرطة في الشروع الفوري في إقامة حواجز من الحجارة أمام ميدان الاعتصام وذلك لحماية المعتصمين من اقتحام محتمل لقوات الشرطة، في حين أن هذا لم يمنع الشباب أيضا من محاولة رد قوات الشرطة من أمام تلك الحواجز، ما أدى إلى إصابة واستشهاد الكثيرين.
يحكي "العربي" أيضا أنه رأى أحد المواطنين السعوديين في هذه الليلة الذي أكد له أن الشعب السعودي يرفض معاونة حكومته للانقلاب ويقف مع الشرعية في مصر بقوة.
 
ويتحسر "العربي" على وجود قناصة لقنص المعتصمين السلميين من أعلى مبنى كلية الدعوة وجامعة الأزهر، ويؤكد أن تلك القوات كانت تقصف قنابل ضوئية لترى وتحدد مكان المعتصمين بدقة، بعدها تقصف فتصيب وتقتل مباشرة، يضيف: هذا القصف تسبب في أن المتظاهرين تراجعوا من حاجز إلى آخر، لأن الداخلية يومها اقتحمت ثلاثة حواجز.
يتذكر" العربي" أيضا لواء شرطة نزل بنفسه من إحدى المدرعات، وأطلق الرصاص الحي بنفسه من بندقية آلية، فقتل وحده ما يقرب من 15 شابا. أيضا رأيت أحد الشباب جمع بعض الحجارة ووضعها في القميص الخاص به بعد أن عقده كالحقيبة، وذهب ومعه اثنان من أصدقائه ليتصدوا لمدرعات الداخلية من أمام الحواجز عن الهجوم بتلك الحجارة، ثم ما لبث هذا الشاب أن عاد شهيدا يحمله صديقاه.
أيضا يتابع "العربي" رأيت الداخلية تعتمد في عدوانها على بلطجية لهم لحية حتى يُلحقوا الاتهامات بالإخوان والتيار الإسلامي ويدعون أنهم هم من قتل بعضهم بعضا.
ويشيد "العربي" بأداء فتيات التأمين في تلك الليلة ويؤكد أنهن أثبتن شجاعة وصمودا غاية في الروعة، فقد أصررن على البقاء لحماية ثغرهن بأنفسهن، ولم ينصرفن إلا بعد الكثير من محاولات الإقناع.