أثار قرار شركة أرامكو السعودية، الأربعاء، إعادة إمدادات النفط إلى القاهرة؛ تساؤلات وعلامات استفهام كبيرة، خاصة أنه يأتي بعد يوم واحد من إعلان رئيس برلمان الانقلاب بمصر تسلم اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين للتصديق عليها، رغم حكم قضائي برفضها.

وأعلن وزير البترول في حكومة الانقلاب، طارق الملا، الأربعاء، عن استئناف شركة أرامكو السعودية شحنات المنتجات البترولية لمصر، بعد توقف دام 6 أشهر.

وكانت "أرامكو" قد أوقفت شحنات النفط المتفق عليها مع مصر بقيمة 23 مليار دولار في تشرين الأول/ أكتوبر 2016، فيما ربط مراقبون حينها الأمر بخلاف سياسي بين البلدين حول الملف السوري، وتصويت القاهرة لصالح قرار روسي يدعم الرئيس السوري بشار الأسد بمجلس الأمن الدولي، على خلاف توجه الرياض التي تعارض بقاء الأسد في السلطة.

وأعلن رئيس مجلس النواب ببرلمان الدم ، على عبد العال، الثلاثاء، أن اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية وصلت البرلمان للتصديق عليها، وذلك رغم حكم نهائي من محكمة القضاء الإداري في كانون الثاني/ يناير الماضي؛ يقضي ببطلان الاتفاقية.

وكانت مصر قد شهدت احتجاجات شعبية واسعة ضد قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي، رفضا للاتفاقية الموقعة بين القاهرة والرياض في نيسان/ أبريل 2016، والتي تشمل "التنازل" عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، فيما شهدت علاقات الدولتين على خلفية ذلك توترا وتلاسنا إعلاميا بين الجانبين.

تسليم الجزيرتين

وأكد مراقبون ومحللون أن عودة النفط السعودي للقاهرة بالتزامن مع تسليم اتفاقية تيران وصنافير للبرلمان؛ يعني أن السيسي سيسلم الجزيرتين للسعودية.

وقال الكاتب الصحفي وائل قنديل على صفحته في موقع "تويتر": "أمس؛ رئيس البرلمان يعلن بدء إجراءات التصدي لحكم تيران وصنافير، واليوم أرامكو تستأنف ضخ الوقود.. بس" في إشارة إلى نهاية الأزمة، وتسليم الجزيرتين للسعودية.

وقال الناشط المصري محمود جعفر على صفحته في "فيسبوك"، إن "الترجمة العملية لعودة إمدادات النفط السعودية؛ هو ضياع تيران وصنافير، وأن السعودية على وشك استلام الجزيرتين رسميا، وطز في كل أحكام القضاء بكل أنواعه، وتحيا ماسر (مصر) من غير تيران وصنافير ثلاث مرات".

تفتيت المنطقة

من جهته؛ قال القيادي في المجلس الثوري المصري، عمرو عادل، إن "كلا النظامين المصري والسعودي ما هما إلا أدوات في صراع كبير بالمنطقة"، مضيفا أن "أي إجراء من القاهرة والرياض يفترض التعامل معه من هذا المنطلق".

وأكد لـ"عربي21" أن "قرار إيقاف إمدادات النفط السعودي لمصر، أو إعادته، وقرار إحالة اتفاقية تيران وصنافير للتصويت عليها بالبرلمان؛ هي إجراءات لصالح مشروع ما يصب في إعادة ضبط القوى بالمنطقة لصالح إسرائيل".

وأضاف أن "النظامين المصري والسعودي يدركان ذلك؛ ومع هذا يحاولان إظهار أن ثمة صراعا أو خلافا بينهما، ولكنهما في الحقيقة جزء من مشروع التفتيت الكبير للمنطقة"، مؤكدا أنهما "المرشحان الكبيران للمرحلة القادمة من هذا المشروع".

ورأى عادل أن نظام السيسي "لا يبالي بالشعب، ومن غير المستبعد عليه تسليم تيران وصنافير للسعودية، بل ومحافظات مصرية كاملة".

أين الشقيقة الكبرى؟

من جانبه؛ أكد عضو حزب الوسط المصري المعارض، وليد مصطفى، أنه "رغم متانة العلاقات بين الشعبين المصري والسعودي؛ إلا أن موقف الشعب المصري حول تيران وصنافير واضح وصريح في رفض مجرد الحديث عن فكرة التنازل عن أي شبر من أراضيه".

وقال لـ"عربي21" إن المصريين كي يحافظوا على أرضهم؛ لا يحتاجون لحكم قضائي، أو قرار سيادي، أو تصويت من ما يسمى بالبرلمان"، مؤكدا أن "أية جهة تتخذ قرارا عكس إرادة المصريين؛ تكون قد خالفت الدستور، وقرارها هو والعدم سواء، مهما كان موقعها في النظام".

وحول التقارب بعد التوتر بين القاهرة والرياض؛ رأى مصطفى أنه "للأسف هذا ليس تقارب الأشقاء الذي كانت مصر فيه دائما الشقيقة الكبرى"، مؤكدا أنه "تقارب المانح والممنوح، والسيد والتابع، والطرف الذي يفرض شروطه بما يمتلكه من أوراق ضغط؛ على طرف ضعيف ليست له مصداقية أو تأييد شعبي يسمح له أن يرفض أو يعترض".

وأضاف: "أن تصل مكانة مصر الدولية والإقليمية إلى هذه الدرجة المتدنية فهذا وصمة عار فى تاريخها".

واعتبر مصطفى أن "استمرار استيراد النفط ليس إلا حلقة في مسلسل نهب ثروات مصر وإهدارها، والفشل والفساد المتعمد"، مضيفا: "كان الأجدر بالنظام؛ الحفاظ على حقول البترول التي منحها لقبرص وإسرائيل مجانا، أو الغاز الذي تم بيعه بثمن بخس في عهد مبارك".

وتابع: "من الأولى أن تقوم مصر باستيراد النفط الخام، ثم تكريره وتصديره كمشتقات تدر عائدا ممتازا للدخل القومي".

ليس التنازل الأول

ويقول معارضو السيسي إن "التنازل" عن جزيرتي تيران وصنافير ليس هو "التنازل" الوحيد، فقد سبق وأن تنازل عن حقلي غاز "لفياتان" و"أفروديت" بالبحر المتوسط لـ"إسرائيل" وقبرص، وعن مساحة من المياه المصرية تعادل مساحة دلتا مصر لليونان، بعد توقيعه اتفاقية ترسيم الحدود البحرية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، كما أنه تنازل عن حقوق مصر المائية في نهر النيل؛ بتوقيعه وثيقة مبادئ مع إثيوبيا والسودان في آذار/ مارس 2015، والتي اعترف فيها بحق إثيوبيا في بناء سد النهضة، بالإضافة إلى منحه روسيا، في شباط/ فبراير 2016، مليوني متر مربع، لإقامة منطقة صناعية روسية بشرق بورسعيد، عدا عن توارد أنباء حول إنشاء قاعدة عسكرية روسية في غرب البلاد.