"القرار للشعب الأميركي، وسأعمل مع من سيختاره الأميركيون لإدامة التعاون والشراكة الإستراتيجية".



تلك كانت إجابة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عندما سئل عمن يتمنى أن يربح الانتخابات الأمريكية.

وقد جاء فوز ترامب ليضع الجميع أمام حقيقة غير متوقعة لم يتأهب لها أحد، حتى الذين تمنوا فوز ترامب أنفسهم.

وكانت هناك أسباب عديدة تدعو النظام الحاكم في تركيا إلى القلق من فوز هيلاري كلينتون على رأسها وصول تسريبات إعلامية مدعومة بتأكيدات من مقربين بأن " التيار الموازي" بقيادة فتح الله كولن، قد تبرع لحملة كلينتون بالانتخابات بمبالغ طائلة، فضلاً عن إعلان كلينتون اعتزازها بالفصائل الكردية المسلحة وعزمها الاستعانة بها في تحرير الرقة من "تنظيم الدولة" ووصفها لها بأصدقاء واشنطن.

ذل إلى جانب تحسب أنقرة لاستمرار خلافات كانت قد نشبت مع واشنطن بخصوص تفاصيل سياسية كثيرة مرتبطة بالموقف في سوريا في الفترة الثانية من عهد أوباما.

وشملت الحملة الانتخابية لترامب ولبعض مساعديه تصريحات عديدة تحمل تنبؤات بتحولات إيجابية تجاه تركيا، فقد كتب الفريق المتقاعد مايك فلين وهو أحد كبار مساعدي ترامب، ومدير وكالة الاستخبارات الدفاعية في الفترة 2012- 2014م، مقالاً تحت عنوان " حليفتنا تركيا في أزمة وتحتاج دعمنا".

كما ترى أنقرة في تصريحات اثنين من كبار مساعدي ترامب ما يمكن اعتباره تأييدًا لفكرة المنطقة الآمنة التي تدعو لها، هما نائب الرئيس المنتخب وحاكم ولاية إنديانا مايك بنس ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ وأحد المرشحين لوزارة الخارجية بوب كوركر، فضلا عن تصريحات ترامب نفسه الداعية إلى التعاون أكثر مع تركيا في سوريا.

في 27 يوليو الماضي، كتب بيتر نافارو أحد مستشاري ترامب السياسيين، مقالاً انتقد فيه تبرعات جماعة كولن لحملة هيلاري الانتخابية، كما شبه مايك فلين فتح الله كولن بالخميني، واعتبر أن شبكته حول العالم أقرب للمنظمة الإرهابية، ثم أيد السردية التركية بأن" كولن بالنسبة لأنقرة هو بمثابة بن لادن بالنسبة لواشنطن"، ولذلك فقد نقلت عنه أوساط تركية تقديره بأن ترامب يمكن أن "يسرّع" عملية إعادة فتح الله كولن لتركيا رغم أنها ستبقى قضية قانونية قرارها النهائي بيد القضاء.

وهناك جانبان مهمان يدفعان أنقرة إلى الاستبشار بفوز ترامب، أولهما عدم رضا الأخير عن الاتفاق مع إيران بخصوص برنامجها النووي، وهو ما قد يضع تركيا في موضع هام على خريطة المنطقة بالنسبة للأمريكان ةيعيد بعض التوازن إلى المنطقة، أما الجانب الآخر هو تركيز ترامب على الداخل الأمريكي أكثر من اهتمامه بالحضور في الشرق الأوسط وهو ما قد يخفف من ضغط واشنطن على أنقرة في ملفات الحريات وغيرها.

ومن الجدير بالذكر هنا أن تقارب أنقرة مع واشنطن قد يصنع بديلاً قويًا للأتراك عن الاتحاد الأوروبي الذي اضطربت العلاقة معه في الفترة الأخيرة، بالتزامن مع إعلان ترامب نيته تجميد مفاوضات واشنطن مع الاتحاد الأوروبي حول اتفاقية الشراكة الأطلسية للتجارة والاستثمار TTIP. والتي كانت ستفقد تركيا مساحات تحارية كبيرة مع أوروبا وأمريكا على حد سواء.

كل هذه المواقف والتصريحات دفعت ببعض المواقف التركية لأن تكون أقرب للفرحة بفوز ترامب والشماتة بهزيمة كلينتون، كوزير العدل بكير بوزداغ الذي قال إن "الشعب الأميركي رفض وأفشل محاولات توجيه إرادته وتصويته".

ولكن

إلا أن خبراء كثيرين يرون أن أنقرة تدرك جيدًا أن الثقة في ترامب ليست في محلها بشكل مضمون، فالرجل قامت حملته الانتخابية على أعمدة عديدة أشهرها الحس العنصري الذي ظهر في تصريحاته تجاه المسلمين، وكذلك رفضه إسقاط الأسد في سوريا بالإضافة إلى احتمالية تغير المواقف السياسية سريعا من قبل ترامب .. كل هذا قد يوحي بأن أنقرة تبتهج لنجاح ترامب بدافع التغيير أكثر منه دافعًا سياسيا يحمل الثقة في الرجل.