جاء تنازل وزارة التموين لوزارة الإنتاج الحربي - بحكومة الانقلاب العسكري - عن مسؤولية إدارة منظومة بطاقات الدعم (صرف مواد التموين والخبز) ومن قبله تفويض وزارة الأوقاف الوزارة العسكرية بطرح عشرة آلاف فدان تابعة لها على المستثمرين ليعزز اتهامات موجهة إلى المؤسسة العسكرية بسعيها للسيطرة الكاملة على المناحي الاقتصادية والمدنية في الدولة المصرية.


وتأتي هذه الأدوار التي استحوذت عليها وزارة الإنتاج الحربي لتلحق بأدوار أخرى سابقة، منها مشروع ميكنة الحيازات الزراعية، والتعاقد على بناء مبنى جديد لنقابة المحامين، وهو ما يتسق مع توغل المؤسسة العسكرية في الأروقة السياسية والاقتصادية بشكل عام.


وفضلا عن المناصب السياسية بدءا من زعيم عصابة الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي الذي قاد انقلابا عسكريا أوصله إلى سدة الحكم، بالإضافة إلى عدد غير قليل من الوزراء العسكريين فإن من جملة ما اخترقته المؤسسة العسكرية إدارة المحافظات والأحياء والجامعات ومراكز البحوث والمعاهد القومية وجمعيات حماية المستهلك والملاعب الرياضية والمستشفيات الحكومية والمدارس الأجنبية ومجالس إدارة الشركات القابضة وقطاعي النفط والغاز الطبيعي وغير ذلك.


وفي مارس 2014 قالت صحيفة واشنطن بوست إن الجيش المصري يسيطر على نحو 60% من اقتصاد مصر، مشيرة إلى أن الأرباح الناتجة عن المشاريع التي ينفذها الجيش لا يتم إعلانها للشعب.


استحواذ مستهدف
وفي قراءته لهذا التسارع العسكري في السيطرة على الأدوار المدنية في الدولة يرى محمد محسوب وزير الدولة للشؤون القانونية في حكومة الرئيس محمد مرسي أن "ما يجري هو ما استهدفه الانقلاب، حيث إن جوهر المشكلة هو الاستحواذ على مقدرات البلاد من المؤسسة العسكرية".


واعتبر محسوب في حديثه للجزيرة نت أن خطورة ذلك تتمثل في أن "المؤسسة العسكرية دورها في الأساس دفاعي لا اقتصادي، وانشغالها

بدور آخر يضعف قدرتها على أداء دورها المنوطة بها"، مشيرا في هذا السياق إلى أن "ميزانية المؤسسة العسكرية خارج ميزانية الدولة، وبالتالي كل ما تضع يدها عليه من مشروعات يفلت من الرقابة".


وأضاف أن "الانتقال لتسليم منظومة الخبز للمؤسسة العسكرية هدفه وضع رغيف الخبز كأداة للمساومة لأنه سيصبح ورقة بيدها تساوم الشعب على الرضا باستمرار حكمها لضمان رغيف الخبز"، لافتا إلى أن "إدارة الاقتصاد الوطني من مؤسسة عسكرية تمسك بالسلطة يهدف لجعل كل أدوات الضغط بيدها بما في ذلك التجويع".


بينما يرى رئيس الأكاديمية الدولية للدراسات والتنمية ممدوح المنير أن السيسي "يريد ضمان ولاء المؤسسة العسكرية له، لذلك فهو حريص على إغراقها ماديا بغض النظر عن فائدة ذلك للبلاد من عدمه، وإن كان أغلب خبراء الاقتصاد متفقون على أن ما يقوم به مدمر للاقتصاد المصري".

باب للفساد
وتابع في حديثه للجزيرة نت أن "انعدام المحاسبة والشفافية في الأدوار المدنية التي يقوم بها الجيش يجعلها بابا كبيرا للفساد، كما أن سيطرة الجيش على الاستثمار في مصر تدفع أي رجل أعمال للتراجع عن أن يفكر في الاستثمار في دولة لا توجد له فرصة فيها أمام المؤسسة العسكرية".


واعتبر أن ما تقوم به المؤسسة العسكرية عبر الوزارات الممثلة لها في الحكومة "يدمرها تماما ويخرجها عن هدفها المنوط بها، فتحولها للأدوار المدنية يبطل فاعليتها القائمة على حماية الوطن، والحالة التي صرنا إليها تدل على أن مصر أصبحت جيشا له دولة وليس العكس".

 


في المقابل، رفض الخبير العسكري اللواء صادق عبد الواحد اتهام المؤسسة العسكرية بالسعي للهيمنة على المناحي المدنية في الدولة، معتبرا أن ما تقوم به "ليس بجديد، وهو أحد الأدوار التي نجحت في القيام بها منذ فترات طويلة".

 


ورأى في حديثه للجزيرة نت أن "الجديد هو الإعلان بشكل واسع عن هذه الأدوار التي أثبتت المؤسسة العسكرية كفاءتها العالية وتميزها في القيام بها عن غيرها من المؤسسات".


وتابع الخبير العسكري أن "كثرة الطلب للمؤسسة العسكرية والثقة فيها وما تقدمه من أسعار قليلة لإنجاز المهام إضافة إلى السرعة في الإنجاز في مقابل البطء المعروف عن القطاع المدني وترهله الشديد وكثرة مشاكله هو الذي دفع المؤسسة العسكرية ووزارات الدفاع والإنتاج الحربي إلى تحمل هذه المسؤولية".