الفرق بين حسن الظن والغرور
أنّ حسن الظن إن حمل على العمل، وحثَّ عليه، وساق إليه، فهو صحيح. وإن دعا إلى البطالة والانهماك في المعاصي، فهو غرور.
وحسن الظن هو الرجاء. فمن كان رجاؤه حاديًا له على الطاعة، زاجرًا له عن المعصية، فهو رجاء صحيح. ومن كانت بطالته رجاءً، ورجاؤه بطالةً وتفريطًا، فهو المغرور.
ولو أن رجلًا له أرض يؤمّل أن يعود عليه من مُغَلِّها ما ينفعه فأهملها، ولم يبذُرها، ولم يحرثها، وأحسن ظنه بأنه يأتي من مغلّها ما يأتي مَن حَرَث، وبَذَر، وسقَى، وتعاهَد الأرضَ، لعدَّه الناس من أسفه السفهاء.
وكذلك لو حسّن ظنَّه وقوّى رجاءَه بأن يجيئه ولد من غير جماع، أو يصير أعلمَ أهل زمانه من غير طلبِ للعلم وحرص تامّ عليه، وأمثال ذلك.
فكذلك من حسّن ظنه وقوّى رجاءه في الفوز بالدرجات العلى والنعيم المقيم، من غير طاعة ولا تقرب إلى الله تعالى بامتثال أوامره واجتناب نواهيه. وبالله التوفيق.
وقد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ} [البقرة: 218].
فتأمَّلْ كيف جعل رجاءَهم إتيانَهم بهذه الطاعات! وقال المغترون: إنّ المفرِّطين المضيِّعين لحقوق الله، المعطِّلين لأوامره، الباغين على عباده، المتجرّئين على محارمه = أولئك يرجون رحمة الله!
وسرّ المسألة أنّ الرَّجاء وحسن الظن إنما يكون مع الإتيان بالأسباب التي اقتضتها حكمة الله في شرعه، وقدَره، وثوابه وكرامته؛ فيأتي العبد بها، ثم يحسن ظنّه بربه، ويرجوه أن لا يكِلَه إليها، وأن يجعلها موصلةً إلى ما ينفعه، ويصرف ما يعارضها، ويبطل أثرها.

ومما ينبغي أن يعلم أنّ من رجا شيئًا استلزم رجاؤه أمورًا:
أحدها: محبة ما يرجوه.
الثاني: خوفه من فواته.
الثالث: سعيه في تحصيله بحسب الإمكان.

وأما رجاءٌ لا يقارنه شيء من ذلك، فهو من باب الأماني! والرجاء شيء، والأماني شيء آخر. فكلُّ راجٍ خائفٌ، والسائر على الطريق إذا خاف أسرَعَ السيرَ مخافةَ الفوات.

الداء والدواء - لابن القيم