يتوجه أكثر من 55 مليون ناخب تركي يوم السادس عشر من نيسان/أبريل الحالي إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء على التعديل الدستوري المقترح من قبل العدالة والتنمية والذي صوت عليه البرلمان التركي قبل شهرين بأغلبية 339 صوتًا، إضافة إلى ما يقرب من ثلاثة ملايين ناخب خارج تركيا قد بدأوا الإدلاء بأصواتهم منذ أسابيع في 119 ممثلية دبلوماسية لبلادهم في 57 بلدًا إضافة لـ 32 معبرًا حدوديًا.

ويعتبر الاستفتاء الحالي من أهم الاستفتاءات التي مرت في تاريخ الجمهورية التركية، بل لعله الأكثر حساسية بينها إذ يتضمن تغيير نظام الحكم في البلاد من برلماني إلى رئاسي.

في مقاربتنا لموضوع الاستفتاء والتعديل الدستوري في هذه المادة، سنحاول تفكيك الملف إلى عناوين ثلاثة رئيسة متضمَّنة في عملية الاقتراع ومطروحة على الناخب التركي، وهي: مدى حاجة تركيا للتعديل الدستوري (التغيير)، ومدى حاجتها للنظام الرئاسي تحديدًا، ومضمون مواد التعديل الـ 18، فضلاً عن التوقعات وتحديات المستقبل.

هل تحتاج تركيا للتغيير؟

ما زالت تركيا تحكم وفق دستور 1982 الذي صكته المجموعة العسكرية التي قامت بانقلاب عام 1980 وصوت الناخبون الأتراك لصالحه بنسبة 91.4%. ورغم إجراء 18 تعديلاً دستوريًا على هذه الدستور، تسعة منها في عهد العدالة والتنمية، تناولت 108 مواد فيه، إلا أنه ما زال يعاني من مشاكل بنيوية مستعصية.

تتمثل أولى هذه المشاكل في تقاطع وتضارب الصلاحيات بين مؤسسات الدولة المختلفة، إذ يمكن للرئيس صاحب المنصب شبه الرمزي والفخري في النظام البرلماني أن يرفض التوقيع على تشريعات يصدرها البرلمان فضلاً عن صلاحيات واسعة معطاة له فيما يتعلق بعمل الحكومة (السلطة التنفيذية).

كما أن من حق المحكمة الدستورية رد بعض القرارات الحكومية والتشريعات البرلمانية.

والسبب في ذلك أن من صاغوا ذلك الدستور أرادوا أن يجعلوا للقضاء والجيش وصاية ما على البرلمانات والحكومات، وأن يعطوا الرئيس (في حينها قائد الانقلاب كنعان أفرين) صلاحيات واسعة وإمكانية «فرملة» الحكومة والبرلمان في حال شبا عن الطوق، أو أرادا ذلك.

المشكلة الثانية تتعلق بكون السلطة التنفيذية في تركيا وفق الدستور الحالي برأسين، فرئيس الحكومة هو رأس السلطة التنفيذية وله صلاحياته المقرة في الدستور، لكن الرئيس أيضًا رأس الدولة ويحق له التدخل في عمل السلطة التنفيذية ومن ضمن ذلك رئاسة المجلس الوزاري متى أراد وغير ذلك من الصلاحيات.

وقد أدت هذه الثغرة إلى تكرر الأزمات بين كل رئيس ورئيس وزراء منذ 1982، حتى بين المنتمين لنفس الحزب السياسي مثل سليمان دميريل وتانسو تشيلر (حزب الطريق القويم) وتورغوت أوزال ومسعود يلماظ (حزب الوطن الأم).

بيد أن أبرز تلك الأزمات حصلت عام 2001 بين الرئيس أحمد نجدت سيزار ورئيس الوزراء بولند أجاويد خلال اجتماع مجلس الأمن القومي، حين رمى الأول كتيب الدستور التركي في وجه الثاني، وترَكَ الأخيرُ الاجتماع.

أدى تسرب تفاصيل هذه الأزمة عبر وسائل الإعلام إلى أزمة سياسية حادة نتج عنها أزمة اقتصادية خانقة.

زاد من حدة هذه المشكلة التعديلُ الدستوري عام 2007 والذي شرَّع انتخاب الرئيس من قبل الشعب مباشرة وليس عبر البرلمان، الأمر الذي منح منصب الرئيس شرعية شعبية تضاف لشرعيته الدستورية والصلاحيات الواسعة المعطاة له.

انتخب أردوغان في آب/أغسطس 2014 وفق هذا التعديل ووعد ناخبيه خلال حملته الانتخابية بأن يكون «رئيسًا يكد ويتعب ويعرق» وأن يستخدم كامل الصلاحيات التي يمنحها إياه الدستور.

أدى ذلك إلى تعمق أزمة ازدواجية رأس السلطة التنفيذية والتي كان من نتائجها استقالة أحمد داود أوغلو في أيار/مايو 2015 من رئاسة الحزب الحاكم والحكومة إثر خلاف مع أردوغان على آلية اتخاذ القرار الحكومي ومرجعيته، رغم اتفاق الرجلين في التصور والرؤية والأفكار العامة وانتمائهما لنفس الحزب والتيار السياسي، الأمر الذي عنى أن الأزمات بين المنصبين وفق الدستور الحالي ومعضلاته القانونية أمر لا مفر منه مستقبلاً.

هل تحتاج تركيا للنظام الرئاسي؟

وفق ما سبق ذكره، تحتاج تركيا بكل تأكيد إلى الخروج من المعضلات الدستورية التي تهددها بأزمات سياسية واقتصادية بسبب النظام الهجين (عمليًا) الذي يحكمها، فلا هو نظام برلماني خالص يتمتع فيه رئيس الحكومة بكامل الصلاحيات مع وجود منصب رئاسة فخري، ولا هو نظام رئاسي ناجز يتفرد فيه الرئيس في إدارة شؤون البلاد.

والحقيقة أن كل الأحزاب التركية الكبيرة والمعروفة، بما فيها الأحزاب الأربعة الممثلة في البرلمان، تتفق على ضرورة صياغة دستور جديد للبلاد، لكنها لطالما اختلفت على التفاصيل وعلى كيفية الحل، وبالتالي تحولت الرؤية لدى حزب العدالة والتنمية إلى حل مؤقت يقتضي تعديل عدة مواد بدلاً من صياغة دستور جديد للبلاد.

وفق هذه الرؤية، ثمة حلان من الناحية النظرية، فإما أن تعاد البلاد إلى النظام البرلماني أو تتحول إلى النظام الرئاسي. بيد أن تاريخ النظام البرلماني في تركيا ليس ناصعًا جدًا.

فحالة الاستقطاب السياسي والاجتماعي في البلاد وعدد الأحزاب الكبير فيها منعا تشكيل حكومات من حزب واحد إلا قليلاً وفرضا في غالب الأحيان حكومات ائتلافية لم تتمتع بسجل مشجع.

لقد شهدت 93 عامًا هي عمر الجمهورية التركية تشكيل 65 حكومة، بحيث يكون معدل عمر الحكومة 16 شهرًا فقط، كما أن فترتي السبعينات والتسعينات من القرن الماضي شهدتا عددًا كبيرًا من الحكومات الائتلافية الفاشلة التي لم تعمر طويلاً.

حتى حزب العدالة والتنمية  الحاكم منذ 2002 والذي قدم لمواطنيه منجزات مهمة في مجالات الاقتصاد والأمن والتنمية والإصلاحات الديمقراطية والسياسة الخارجية ومكانة البلاد في الإقليم والعالم، ولكونه حزبًا جماهيريًا خدماتيًا وليس حزبًا أيديولوجيًا ذا حاضنة شعبية صلبة، عانى أيضًا من تراجع شعبيته في انتخابات حزيران/يونيو 2015 والتي فقد فيها الأغلبية البرلمانية ولم يستطع تشكيل الحكومة بعدها بمفرده ولا بالاتفاق مع أحد الأحزاب الأخرى.

يرى الحزب في النظام الرئاسي مخرجًا لتركيا من المشكلات البنيوية في الدستور ومن ازدواجية السلطة التنفيذية ومن تاريخ الائتلافات الحكومية التعيس، ويأمل بأن يتيح للرئيس آلية اتخاذ قرار قوية وحاسمة وسريعة التنفيذ، في ظل صعوبة العودة إلى النظام البرلماني المحض الذي سيتطلب أول ما يتطلب العودة عن الحق الممنوح للشعب بانتخاب الرئيس وهو أمر بالغ الصعوبة.

مواد التعديل الدستوري

من الناحية النظرية، يتيح النظام الرئاسي فرصة تشكيل حكومات قوية ومستقرة ومتجانسة لتخلصها من السطوة الحزبية والمناكفات السياسية والتقاطع مع العضوية البرلمانية وإمكانية الاعتماد على التكنوقراط وغير الحزبيين، إضافة لتمكين البرلمان من تفعيل عمله الرقابي بشكل عملي، وهي المقاربة التي يعتمدها حزب العدالة والتنمية وشريكه في المشروع حزب الحركة القومي واعدَيْنِ بتركيا جديدة و«أقوى».

من جهته، يحذر حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة من الصلاحيات الواسعة المعطاة للرئيس معتبرًا أنها ستفضي إلى حكم الفرد وإلى «الدكتاتورية الديمقراطية».

وبعد فترة طويلة من تناول النظام الرئاسي من زاوية شخص الرئيس الحالي والمرشح الأبرز مستقبلاً أردوغان، بدأ الحزب مؤخرًا في تناول مواد التعديل الدستوري وما يعتبره صلاحيات واسعة معطاة للرئيس فيه.

يتكون التعديل من ثماني عشرة مادة، جزء منها عام مثل مواد رفع عدد أعضاء البرلمان من 550 إلى 600، وخفض سن الترشح للبرلمان من 25 إلى 18، وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بشكل متزامن كل خمس سنوات، وإلغاء المحاكم العسكرية، وتنظيم انتخابات «هيئة القضاة والمدعين العامين».

أما الجزء الآخر – والأهم – فهو الخاص بالتحول للنظام الرئاسي، أي شروط الترشح للرئاسة وصلاحيات الرئيس وآليات محاكمته والعلاقة بين المؤسسات المختلفة سيما الحكومة والبرلمان.

تردد المعارضة بأن التعديل الدستوري يهدد الديمقراطية والحريات في البلاد ويغير نظام الدولة (الجمهورية) وليس فقط نظام الحكم (البرلماني)، ناسية أو متناسية أن الانتقال من النظام البرلماني إلى الرئاسي سينقل حكمًا وبشكل طبيعي ومنطقي صلاحيات كثيرة من البرلمان للرئيس.

بينما يؤكد الحزب الحاكم في المقابل بأن مقترح النظام الرئاسي الذي أعده وقدمه ليس فيه ما يخيف المواطن بل يعزز من الديمقراطية ويضمن مبدأ الفصل بين السلطات ويحدد من صلاحيات الرئيس ويزيد من مسؤوليته أمام الشعب.

وبعيدًا عن الدعايات الانتخابية المغرقة في التفاؤل أو التشاؤم، تشير نظرة معمقة إلى المواد الـ 18 اشتمالها على جوانب إيجابية وأخرى سلبية أو بعض التحفظات، ولعلي هنا أشير إلى أربع نقاط على سبيل المثال لا الحصر:

محاسبة الرئيس

لا يمكن محاسبة رئيس الجمهورية وفق الدستور الحالي إلا بتهمة خيانة الوطن (الخيانة العظمى) وبآلية شبه تعجيزية، إذ يشترط الدستور اقتراح ثلث نواب البرلمان التحقيق معه وموافقة ثلاثة أرباع أعضائه لمحاكمته أمام المحكمة العليا.

بينما يتيح التعديل الجديد محاكمة الرئيس لأي سبب باقتراح نصف أعضاء البرلمان زائد واحد وموافقة ثلثي أعضائه على تقديمه للمحكمة العليا.

يفتح التعديل إذن الباب على محاكمته فعلاً، بينما تدعونا الموضوعية إلى مقارنة آلية محاكمته وفق التعديل مع آلية محاكمة رأس السلطة التنفيذية (رئيس الحكومة) وليس مع آلية محاكمته كرئيس وفق الدستور الحالي، باعتبار أن الصلاحيات ومبدأ المحاسبة يسيران على التوازي.

رقابة البرلمان على الحكومة

يحق للبرلمان وفق مقترح النظام الرئاسي المستفتى عليه توجيه أسئلة خطية للوزراء وإجراء تحقيقات وتشكيل لجان بحث، لكن لا يحق له إعطاء الثقة للحكومة أو نزعها عنها ولا حتى تقديم مذكرة استجواب شفهي لأحد الوزراء.

يحق للبرلمان محاكمة أحد الوزراء بنفس آلية وشروط محاكمة الرئيس، كما أن دعوته لانتخابات مبكرة تعني حكمًا سقوط الحكومة أيضًا.

حل البرلمان

تقول المعارضة إن التعديل الدستوري يمنح الرئيس حق «حل» البرلمان، بينما ما أعطي له في نص المواد هو حق «الدعوة لانتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة»، بمعنى أنه يحل نفسه مع البرلمان.

هذا سيعني أن الرئيس سيفقد إحدى الفترتين اللتين تحقان له دستوريًا، وسيخاطر بإمكانية عدم انتخابه مرة أخرى، ولا يحق له هذه الدعوة في حال كان متهمًا من قبل البرلمان، كما يعطي التعديل للبرلمان نفس الحق باشتراط موافقة 60% من أعضاء البرلمان.

سلطة الرئيس على القضاء

من الأمور التي تأخذها المعارضة على النظام الرئاسي المقترح سلطة الرئيس على المؤسسات القضائية التي يفترض أن تكون مستقلة وحرة كي يتسنى لها أن تحاسبه وتحاكمه إن لزم الأمر.

وكمثال على ذلك تتكون هيئة القضاة والمدعين العامين وفق التعديل من 13 عضوًا يعين الرئيس منهم (بعد انتخابات داخلية بينهم) أربعة أعضاء، كما يعتبر وزير العدل ونائبه/مستشاره عضوين معينين في الهيئة، بما يعني أن 6 من أصل 13 عضوًا سيكونون ممن يختارهم الرئيس فضلاً عن دور حزب الرئيس في اختيار البرلمان للأعضاء السبعة الباقين (فالانتخابات الرئاسية والبرلمانية المتزامنة ستؤدي في الغالب إلى تقدم الحزب الذي ينتمي إليه الرئيس).

استطلاعات الرأي

تظهر شركات استطلاع الرأي في تركيا نتائج متباينة جدًا، والسبب في ذلك أن كثيرًا منها يفتقر إلى المهنية والموضوعية ويلجأ إلى توجيه الرأي العام بنتائجه أكثر من عكس رأي الناخبين من خلالها.

تعتبر بعض الشركات تقليديًا (مثل A&G) أكثر قربًا من توقع النتائج، لكنها تبقى أيضاً غير دقيقة بالمعنى المهني بما يصعّب من إمكانية توقع النتيجة بشكل حاسم.

بينما تجري الأحزاب المختلفة -سيما العدالة والتنمية- استطلاعات تبقى نتائجها سرية تستفيد منها في تسيير وتعديل حملاتها الانتخابية، وحسب اطلاعي فإن آخر استطلاعات الرأي التي أجراها الحزب الحاكم تعطي تقدمًا لإقرار التعديل بنسبة 53%.

ولعله من المفيد ذكر العوامل التي تساهم في تشكيل رأي الناخب التركي، وفي مقدمتها انتماؤه الحزبي ومنطقته الجغرافية ومستواه التعليمي ومدى اطلاعه على مواد التعديل الدستوري وموقفه من سياسات الرئيس أردوغان، ولكن أيضًا لا ينبغي إغفال دور الأحوال الاقتصادية والأمنية قبيل الاستفتاء على رأي نسبة لا يستهان بها من الناخبين.

ماذا بعد الاستفتاء؟

سيكون الاستفتاء الشعبي نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة في تركيا، وسيجلب كلا الاحتمالين – الإقرار والرفض – تحديات خاصة به للبلاد.

فإقرار النظام الرئاسي سيعطي قوة واستقرارًا للحكومات لكنه سيزيد من الضغوط عليها من الداخل (المعارضة) والخارج (الدول المختلفة سيما الأوروبية) سيما وأنه سيجرى في ظل حالة الطوارئ، رغم أنه لا يخالف الدستور.

فزعيم المعارضة كمال كليتشدار أوغلو كان قد «حذر» من «إراقة الدماء» في حال أقر النظام الرئاسي، بينما تركز الدول الأوروبية في خطابها وانتقاداتها على فكرة «توسيع صلاحيات أردوغان» وليس «إقرار النظام الرئاسي».

كما أن التعديل ينص على فترة انتقالية حتى تشرين الثاني/نوفمبر 2019 حيث يبدأ التطبيق الفعلي للنظام الرئاسي بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية حينها، مع فترة ستة أشهر تبدأ مباشرة بعد الاستفتاء لإقرار البرلمان «قوانين المواءمة» التي ستسهل الانتقال التدريجي والسلس من النظام البرلماني للرئاسي.

من جهة أخرى، ورغم أن رفض التعديل الدستوري لا يرتب أي انعكاسات على الحكومة دستوريًا وقانونيًا، إذ سيكمل كل من الرئيس والحكومة والبرلمان فتراتهم وأعمالهم بشكل اعتيادي.

إلا أن ذلك سيعني من جهة بقاء المشكلات الدستورية على حالها وقد يفضي من جهة أخرى إلى فكرة الانتخابات البرلمانية المبكرة التي ستعني ضبابية وعدم وضوح وبعض التحديات الاقتصادية وربما الأمنية.

في نهاية المطاف، سيكون التطبيق والممارسة العملية أهم بكثير من النصوص وما كتب فيها.

أعتقد أن سريان النظام الرئاسي -في حال أقر- سيكشف عن بعض الثغرات والنواقص والأخطاء التي تحتاج للاستدراك والتعديل، وينبغي على العدالة والتنمية حينها أن يهتم بتعديل هذه المواد وتنقية الشوائب المتضمنة في مقترح النظام الرئاسي، سيما ما يتعلق بقدرة البرلمان الرقابية على الحكومة.

ولعل التحدي الأبرز الذي يواجه تركيا وتحديدًا العدالة والتنمية هو سؤال ما بعد  أردوغان.

يبدو لي أن مواد التعديل الدستوري صيغت في ظل حالة من الثقة بأردوغان وسيرته وتاريخه والثقة بالعدالة والتنمية وحكوماته وإنجازاته وثقة بالاستقطاب السياسي والمجتمعي الذي يوحي بأن أي رئيس قادم سيكون من اليمين (المحافظ أو القومي) وليس اليسار (العلماني أو الكردي).

بيد أن تلك ليست ضمانة ولا تشعر بالطمأنينة حتى من زاوية براغماتية بحتة، فحتى لو جزمنا بأن أردوغان أو أي رئيس قادم من العدالة والتنمية لن يركن إلى الصلاحيات الواسعة المعطاة له في هذا التعديل الدستوري ويجنح بالتالي إلى التسلط والتفرد (وهو أمر يصعب الجزم به بطبيعة الحال)، فإن وصول أي شخص من تيار آخر أو ذي رؤية مختلفة مستقبلاً لمنصب الرئاسة سيعني أن البرلمان والقضاء سيعانيان كثيرًا في محاولة فرملته أو مراقبته ومحاسبته، فالتعديلات الدستورية تصاغ لعشرات السنين وليس لفترة مؤقتة.

يبدو النظام الرئاسي أكثر مناسبة للديمقراطيات الراسخة مع تثبيت آليات للضبط والتوازن (CHECKS AND BALANCES) بين المؤسسات، بينما يناسب النظام البرلماني الدول متعددة الأعراق والأديان والمذاهب والمتعثرة ديمقراطيًا أكثر.

تقع تركيا بين هذا وذاك، ويبدو أن أنها صاغت نظامًا رئاسيًا يتوافق مع متطلبات المرحلة ويبني على منجزاتها الديمقراطية السابقة، لكن التحديات المشار إليها آنفًا (سيما مبدأ الفصل بين السلطات) جدية وذات حيثية، وتحتاج للاهتمام بها في حال أقر النظام الرئاسي.

 كما تحتاج البلاد بكل الأحوال إلى تفعيل رقابة المجتمع ومؤسساته ووسائل إعلامه فضلاً عن البرلمان والقضاء على عمل الرئيس والحكومة كي ينشأ نظام أكثر توازنًا وأقل خطرًا على المدى البعيد.