أحمد نصار:

 

"لا توجد وسيلة أكيدة للسيطرة على الخصوم أفضل من تدميرهم" - ميكافيللي.

بعد تفجير الكنيسة البطرسية كتبت مقالاً بعنوان "لماذا أقال السيسي قائد الدفاع الجوي؟"، تناولت فيه تغير الموقف الإقليمي الخليجي من السيسي، وتبنيهم لموقف قطر بخصوص مصر بدلاً من موقف الإمارات.

أشرت في المقال إلى أن السيسي يستشعر وجود خيانة من داخله، وحاولت في سبيل ذلك وضع جُمل قالها السيسي بعد التفجير في هذا السياق (فيه كلام ينفع نقوله وكلام ما ينفعش نقوله، إحباط من أهل الشر).

وبعد أقل من شهر يجري في النهر مياه كثيرة، ويقوم السيسي بعدة ضربات استباقية تؤكد وصول الصراع بين جناحه والجناح الذي ينافسه على طرح نفسه كبديل للخليج والغرب، إلى مرحلة الصراع المفتوح وتكسير العظم.

فلم يعد خافياً أن هناك تحالفاً متكاملاً يطرح نفسه كبديل للسيسي، وأن هذا التحالف الذي يتزعمه شفيق سياسياً في الإمارات وعنان عسكرياً في الجيش له امتدادات في الجيش والقضاء والإعلام والبرلمان.

هل تذكرون لِمَ أجَّل السيسي الانتخابات البرلمانية أكثر من مرة؟ هناك تقارير رُفعت للسيسي من الأمن الوطني (الداخلية)، وتم تسريب محتواها (رقم 2 في المصادر)، أن هناك مخططاً من قِبل ساويرس (الذي يمثل حزبه أكبر حزب له مقاعد في البرلمان) للانقلاب الناعم على السيسي؛ حيث يجيز الدستور لهم عزل السيسي، (وتيران وصنافير هي البوابة طبعاً).

قام السيسي بتوجيه الضربات لأركان هذا التحالف كما ذكرت:

1- عسكرياً: أقال قائد الدفاع الجوي، الذي كان قريباً جداً من منصب رئيس الأركان، قبل أن يستأثر به السيسي لنسيبه محمود حجازي!

2- الإعلام: الإطاحة بإبراهيم عيسى (وهو من أعلى الأصوات التي سلَّطها هذا التحالف لانتقاد السيسي على بيع تيران وصنافير وأكثرهم هجوماً على السعودية).

3- القضاء: اغتيال وائل شلبي بعد فضيحة مالية؛ وهو محسوب على رجال مبارك، كما أشرنا.

4- البرلمان ورجال الأعمال: الإطاحة بساويرس في انقلاب ناعم تم من أعضاء حزبه في فندق الماسة التابع للجيش!

ومع ذلك، تستمر التحركات السياسية المناهضة لبيع تيران وصنافير، وتدعو للتظاهر، في دعوة تحاكي دعوة 25 يناير، طالبوا بترخيصها من الداخلية دون أن يلقي أحد القبض عليهم، ورفعوا شعارات سقوط شرعية النظام!! من ناحية أخرى يدخل العلمانيون على الخط، وينزل البرادعي بثقله، ويفرَج عن أحمد ماهر، وما خفي كان أعظم!

هذا التحالف متأكد أن السيسي إذا استمر في الحكم إلى نهاية العام؛ فلن تكون هناك انتخابات رئاسية غالباً، وسيقوم بتمرير تعديل على "فترة ولاية الرئيس" في برلمانه؛ لتكون ست سنوات بدلاً من أربع، وخاصة بعد إزاحة ساويرس زعيم أكبر حزب في البرلمان من الحزب؛ وهو شيء يغضب أطرافاً كثيرة في الداخل والخارج، وعلى رأسهم جمال مبارك، الذي عاد للمشهد مجدداً، وهو يمنّي نفسه بالمشاركة في الانتخابات القادمة، بعد أن أسقط القضاء التهم المنسوبة إليه، وبدأ الناس يتحسرون على أيام أبيه!

ويدرك هؤلاء جميعاً أيضاً أن فرصتهم الوحيدة الآن هي استثمار "موجة 25 يناير" القادمة، ومغازلة العلمانيين والإخوان لإحداث الزخم اللازم، وحشد الكتلة السياسية الحرجة اللازمة للتفاعل وإيجاد البديل!

وفي هذا الإطار يمكننا أن نفهم ظهور البرادعي وتخوف النظام الشديد منه، وإذاعة تسريباته كرد على هذه الخطوة، وكذلك يمكننا أن نفهم مغازلة هذا الفريق للإخوان، في بوست أبو عرايس الشهير (قائد حملة عمر سليمان) بالاعتذار للإخوان وللرئيس مرسي، واتهام السيسي بأنه فعل كل ما انقلبوا على الإخوان خوفاً من أن يفعلوه، مما يعني أنه يستحق مصيراً أسوأ أو مماثلاً على الأقل!

ومما يؤكد أن هذا التحالف ماضٍ في مخططه، أن نواب في البرلمان لا يزالون يصعدون الهجوم على السيسي بسبب اتفاقية تيران وصنافير أيضاً، البوابة الأعرض لمهاجمة السيسي، متسلحين بوثائق أكبر من قدرتهم على تملكها، وشجاعة أكبر من أن يتصفوا بها، بلا غطاء أو سند!

أما محمد أبو الغار، رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي (حزب حازم الببلاوي أول رئيس وزراء بعد الانقلاب الذي برَّر مجزرة رابعة، وحزب نائبه زياد بهاد الدين) فكتب مقالَين في المصري اليوم بعنوان: "بتغيير الدستور نصبح من جمهوريات الموز"!

كما أدان بعض هؤلاء النواب (مثل عصمت السادات المقرب من السفارة الأميركية) ومعه بعض الإعلاميين (مثل الغيطي) تسريب البرادعي، ودخل الغيطي في سجال "غير لطيف" مع أحمد موسى، رد موسى عليه بألفاظ لا تليق!

كما انتقد ساويرس (المطرود من حزبه، الذي وصف خصومه بالكلاب) تسريبات البرادعي هو الآخر، في خطوة تنم عن ملامح هذا التحالف الجديد، وأن السيسي لم يكن يختار معاركه عشوائياً!

أما خالد صلاح، المحسوب على دحلان رجل الإمارات، ومخبر أمن الدولة السابق (اسمه الحركي كما تسرب هو أبو لمونة) فقد أعلنها صريحة: هناك مؤامرة على مصر (مصر يعني السيسي طبعاً).. وتسريبات البرادعي تأتي في إطار "رد العدوان" فما عدوان البرادعي الذي مارسه على السيسي، إلا نفس العدوان الذي مارسه على الرئيس مرسي؛ الترويج للانقلاب في الخارج بما لديه من علاقات!

البرادعي وثلة العلمانيين مثل "وش القهوة"، آخر ما يظهر، وأول ما يُشرب، وتكوّنه دليل على نضج القهوة، وأن الطبخة قد استوت، ولا يتحركون إلا بضوء أخضر لبذل أقل مجهود وجني أكبر أرباح، والنظام يدرك ذلك جيداً!

الأيام القادمة ستشهد تناحراً بين فريقَين في الدولة العميقة، أدركوا أنه لم يعد ممكناً أن يتعايشوا فيما بينهم!

 

المقال يعبر عن رأي كاتبه، ولايعبر بالضرورة عن رأي نافذة مصر