تتكشف يوما بعد يوم صوراً جديدة من حياة وتاريخ الشيخ الشهيد أحمد ياسين، الذي قضى تسع سنوات في سجون الاحتلال أمضاها كلها في العزل الانفرادي، وبقيت أسرار تلك الفترة في قلوب وعقول من حظي بشرف مرافقته خلالها.

 
الأسير المحرر نضال أبو سعادة، من بلدة بيت دجن شرق مدينة نابلس، كان ممن رافق الشيخ في سجنه خلال فترة عزله في سجن كفاريونا في العام 1994، وعمل على مدار ثلاثة أشهر على خدمة الشيخ.
 
يتحدث المحرر أبو سعادة عن جزء مما سجلته ذاكرته خلال فترة مرافقته للشيخ الشهيد، محاولا الكشف عن بعض المحطات التي لم يروها أحد بعد مرور 13 عاماً على استشهاد الياسين.
 
اللقاء الأول
 
يقول الشيخ نضال رضوان حسين أبو سعادة (52 عاماً)، في حديثه إنه فرح كثيراً لبداية السماح للأسرى الأمنيين بخدمة الشيخ أحمد ياسين، بعد أن كان من يقدم المساعدة له، فقط السجناء المدنيين أو شرطة الاحتلال".
 
ولا يخفي أبو سعادة فرحته الغامرة كونه من أوائل من خدموا الشيخ، واصفا تلك المشاعر بالقول: "كنت متلهفاً جداً للقاء الشيخ بالسجن، ونقلت إلى قسم العزل في سجن (كفاريونا) الذي يتواجد فيه الشيخ، وتصادف دخولي القسم، والشيخ ياسين في ساحة السجن فيما يعرف بـ(الفورة)، وما أن وقعت عيناي عليه، حتى ركضت إليه بلهفة وانكببت أقبل وجهه ويديه، وقد كانت علامات السرور بادية على وجه الشيخ للقائه بي وبأحد شبان الضفة الغربية، ومن أبناء حركته".
 
 الثانية فجراً
 
مختلف في كل شيء عن الآخرين، لا يكل ولا يمل، رغم مرضه وحالته الصحية إلا أنه الأكثر ترتيبا لوقته، والأكثر اهتماما بأن لا يضيع جزء من الوقت بدون عطاء أو عبادة، هكذا يبدأ أبو سعادة بوصف البرنامج اليومي للشيخ الياسين، ويقول: "الشيخ ياسين يبدأ يومه عند الساعة الثانية فجراً بقيام الليل وقراءة القرآن حتى مطلع الفجر، وعقب صلاة الفجر يأخذ قيلولة حتى الفطور، ومن ثم يتوزع نهاره ما بين القراءة والمتابعة اليومية للأخبار، وهو ما جعل من الشيخ يشكل موسوعة معلوماتية في الكثير من جوانب الثقافة والعلوم".
 
ويبرهن أبو سعادة على ثقافة الشيخ بالقول: "كنا نسأله بمواضيع الفقه والسياسة والأمور العسكرية، وكنا نجد لديه إجابات شافية فيها".
 
معاناته الجسدية والاعتقال لم تتمكنا من سلب جمال روحه، هكذا يقول أبو سعادة، واصفا الشيخ الشهيد الذي كان "يمتاز بحب الفكاهة، بإلقاء النكتة وسماعها"، وعن أبرز ما تعلمه نضال من الشيخ يقول: "كان مدرسة في الصبر، وكان دائماً يهون علينا الاعتقال بالقول: إن الاحتلال يصدر حكمه، لكن الله وحده من يحدد سقفه وتاريخ الإفراج، وكان وقتها الشيخ محكوماً بالسجن المؤبد مدى الحياة".
 
مهابة عالية
وعلى الرغم من أن الشيخ أحمد ياسين كان يعاني من شلل كامل، ولا يتجاوز وزنه 55 كيلو غراماً، إضافة للأمراض التي يعاني منها، كما يشير أبو سعادة، إلا أن له مهابة كبيرة، في قلوب عدوه قبل الصديق، ويتحدث عن أحد المواقف قائلا: "أذكر عندما وقعت عملية أسر الجندي الصهيوني"نحشون فكسمان" سحبت إدارة السجون آنذاك الأكواب  والآواني الزجاجية من غرفة الشيخ ياسين كرد فعل على العملية".
 
يضيف بالقول: "وقتها غضب الشيخ غضباً شديداً وقال لي: يا أبا صهيب أحضر قلما وورقة واكتب، وبعث برسالة إلى إدارة السجن، وما أن سلّمت الرسالة إلى مدير السجن حتى تملكه الخوف، وقال لي: سأتولى إعادة ما صودر من غرفة الشيخ حتى لو كلفني ذلك شراءها على حسابي الخاص، ولكن أرجو أن لا ترفعوا الشكوى لإدارة السجن".
 
وفي موقف آخر يتابع المحرر أبو سعادة سرد تداعيات أسر كتائب القسام  للجندي فاكسمان، بالقول: "كانت الوفود الصهيونية من وزراء وقادة جيش الاحتلال تتوالى على غرفة عزل الشيخ، ليطلبوا منه إرسال رسالة للخاطفين تطالبهم بالإفراج عن الجندي فاكسمان، لكن الشيخ حينها رفض رفضاً قاطعاً، وقال لهم: "أنا لن أتدخل بهذا الأمر، وكتائب القسام أدرى بما يفعلون، ولن يكون كلامي الآن مسموعاً لهم، وهناك آلاف من الفلسطينيين في سجونكم فلتطلقوا سراحهم إذن".
 
كرامات
وفي قصة يرويها أبو سعادة للمرة ألولى، وتشير إلى مقدار الحدس القوي الذي كان يتميز به الشيخ ياسين، يقول: "في يوم من الأيام استيقظ الشيخ من قيلولته فجأة، وقال لي: يا أبا صهيب أشعل التلفاز، أشعر أن عملية كبيرة وقعت في الكيان، وما أن أشعلت التلفاز حتى كانت القنوات الإخبارية تنقل أخباراً عن عملية كبرى، ألحقت أضراراً بشرية ومادية في الكيان، وهي عملية "ديزنكوف" التي وقعت في مركز ديزنكوف "بتل أبيب"، ونفذها الشهيد القسامي صالح صوي من مدينة قلقيلية، وأدت إلى مقتل 13 صهيونياً واصابة العشرات" .
 
ويختم أبو سعادة حكايته بالقول، مضت الأشهر الثلاثة على رفقتي للشيخ سريعة، لكن الكثير من مشاعر الفخر والاعتزاز تملأ قلبي، ويعبر عن ذلك بالقول: "أشعر بالفخر أني كنت يوماً من الأيام جزءاً من حياة شيخي الفاضل أحمد ياسين، فلم أكن أتخيل أن أحظى بشرف إطعامه وخدمته وقد منً الله علي بهذه النعمة، فالفضل والشكر لله، وأرجو أن أكون رفيقه في الجنة".