أ.د: إسماعيل علي -أستاذ في جامعة الأزهر:


يتعرض "الأزهر" في الآونة الأخيرة إلى حملة علنيّةٍ ظالمة من التشويه والافتراء، والهجوم على رموزه ومناهجه، في وسائل الإعلام وغيرها في (مصر - السيسي).

ويلاحَظ أنّ كثيرين ممن يتصدّون للحديث عن ذلك الهجومِ الأخيرِ على "الأزهر" يركِّزون على مَن يتولون كِبْرَ هذه الحملة الأثيمة؛ مِن إعلاميين وكُتّابٍ وبرلمانيين ونصارى وغيرهم، متغافلين عن أمور خطيرة جديرةٍ بأن يُسلَّط عليها الضوء، ومنها:

أولا: أنّ هذا الهجومَ على الأزهر يأتي في سياق مخطَّط قديمٍ للقضاء عليه أو شلِّ فاعليِّتِه، وتهميش دوره العلميّ والدعويّ، وتفريغه من مضمونه، وتقليصِ مكانته وآثاره في حياة الناس، وتعطيلِ رسالته المتواصلةِ منذ عصور؛ كونَه مؤسَّسة خادِمةً للإسلام، بنشر العلم، والدعوةِ إلى الله على بصيرة، ومجاهَدةِ أعداء الدِّين الحنيف، ومجابَهة الدعواتِ المضادّة له في العصر الحديث، وفي مقدمتها التنصيرُ الصليبيّ.

وقد رأى أعداء الإسلام في الداخل والخارج استغلالَ الفرصة المواتية في هذه الآونة لتحقيق ما خططوا له.

ثانيا: أنّ هذه الغارةَ الأخيرةَ على الأزهر والنَّيلَ منه ما كان ليحدث إلا برعاية مباشرة من زعيم عصابة الانقلاب "السيسيّ"؛ فهو الراعي الرسميّ للحملة على كل ما له صلة بالإسلام والدعوة إليه، وهو مَن أطلق شياطينَه في الإعلام والبرلمان والمؤسسات المختلفة تنال من الأزهر وتستعدي عليه الدنيا كلَّها، وكأنه هو مصدر الشرِّ والإرهاب في العالم، ولو أشار إليهم أنْ كُفُّوا ألسنتكم وأيديَكم لانتَهَوا، وتوقفوا في الحال.

وعليه فإنّ زعيم عصابة الانقلاب هو مَن يتحمل مسؤوليةَ ووِزْرَ هذه الغارة الخبيثة الشعواء.

ثالثا: لا يمكن للباحث المتابِع للأحداث أنْ يُغْفِل أو يتجاهلَ أنّ شيخَ الأزهرِ الحاليَّ "أحمدَ الطيب" هو مَنْ جعل أعداءَ الإسلام وزعيمَ عصابةِ الانقلاب "السيسيّ" يطمعون في النَّيل من الأزهر، بل ومِن الإسلام ذاته، ويتجرؤون علىه؛ حيث إنه ـ منذ أنْ جلس على كرسيّ المشْيَخة أيام المخلوع "مبارك" ـ لم يكن في شخصه وتصرفاته مثالا للشيخ الإمام المتجرد لخدمة الإسلام والدعوة؛ بل كان مثالا للشيخ التابع لهوى الحاكم الظالم المحارب للدين والشريعة، وللعلماء الربانيين والدعاة الصادقين.

فـ "أحمد الطيب" قد اجتُلِب من لجنة السياسات بالحزب الوطني المجرم، والتي كانت تحت توجيه الفاسد "جمال مبارك" إلى رئاسة جامعة الأزهر، ثم الإفتاء ثم المشيخة.

وقد سَخّر نفسه ومنصبَه للشيطان؛ فكان رُكْنا مِن أركان الثورة المضادة، وأحدَ أركانِ الحرب القذرة ضدّ ثورة 25 يناير، وضدّ أولِ رئيس مدنيٍّ منتخَب، ثم كان أحدَ صانعي الانقلاب على الرئيس الشرعيّ "محمد مرسي"، ومؤيِّدا لمظالم الانقلابيين وبغيِهم وعدوانِهم على المسلمين الأبرياء، وسفكِهم للدماء، جنبا إلى جنب مع الكنيسة الصليبية والعلمانيين وأدعياء السلفية، ولم يَصُنِ الأزهرَ عن الانجرار إلى مستنقع الألاعيب السياسية القذرة، وكان الأجدر به أنْ يقف مع الحق مؤازِرًا، لا أنْ يكون جنديًّا شقيًّا من جنود الباطل.

ثم إنّ انقلاب السيسيّ قد استباح حرمات الدينِ وأهلِه؛ فحرق المساجد، ودنسها عساكرُه، وأطلقوا النيران على الراكعين الساجدين، واستباح أعراض المسلمين وحرمة نسائهم، ونال السيسيّ ـ نفسُه ـ من ثوابت الدين وقرآنه وسنته، حين ادعى ـ كذبا ـ أنها تعادي الدنيا كلَّها، وأطلق أذرعَه الإعلاميةَ تنهش في مُحكَمات الدين، وتهدم في سنة خاتم المرسلين ﷺ.

وبالإضافة إلى هذا فإنّ شيخ الأزهر لم يتمعّر وجهُه يوما بسبب الاعتداءات المتكررة على علماء الأزهر وطلابه مِن قبل نظام "مبارك"، ثم عصابةِ الانقلاب العسكريّ، ولم يقف بجانب المظلومين من العلماء المرموقين والطلاب الأبرياء النابهين، ورضي بإيذائهم والتنكيل بهم، والحكمِ عليهم بالعقوبات الجائرة الفاجرة التي بلغت الإعدامَ بحق كثيرين منهم، بل سكَت عن خطف الطلاب والأساتذة وإطلاق النار عليهم من داخل حرم الأزهر بيد العسكر، ولم يترفّع عن الخصومة السياسية الوضيعة ...

كيف يسكت "أحمد الطيب" بل ويبارك الافتراءَ على العالم الكبير الدكتور "يوسف القرضاوي"، ابنِ الأزهر البارّ، ويرضى بالحكم عليه بالإعدام من قبل قضاء السيسي بتهم رخيصة مفتريات، واتهامِه ـ وهو إمام الوسطية في عصرنا ـ بالتطرف والإرهاب؟؟!!

وكيف ساغ له أنْ يسكتَ بل ويرضى بسَوْق العلماء إلى محاكمات كيدية يوقَّع عليهم فيها أشنع العقوبات الظالمة بتهم هزلية مثل قطع الطريق، ويُحكَم عليهم بالإعدام والمؤبَّد، ويهانون ويؤذَوْن؛ مثل العالم الدكتور "عبد الرحمن البَر" عميد كلية أصول الدين والدعوة، والدكتور "عبد الله بركات" عميد كلية الدعوة الإسلامية، والدكتور "صلاح سلطان" أمين عام المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وغيرهم ألوفٌ من العلماء والدعاة وطلبة العلم ؟؟!!

وهكذا سكت "أحمد الطيب" عن انتقاص الدِّين، والاعتداءِ على ثوابته ومقدساته، وانتهاكِ حرماتِ المسلمين، وجعَل نفسَه والأزهرَ ـ تحت إدارتِه ـ ظهيرا للمجرمين ... حتى وصلْنا إلى الغارة الكائنة، والهجمة الراهنة.

ولذلك لا أراه جديرا بالتعاطف معه، لا بشخصه ولا بصفته.

وسيذهب غيرَ مأسوفٍ عليه ـ بعد أنْ أدى دورَه الملعون مع عصابة الشر ـ، محمَّلا بدماء الأبرياء، ومظالم الملايين الذين عاون وظاهَرَ الانقلابَ على ظلمهم وقتلهم؛ فهو مِن أكبر أسباب نكبة الأزهر، والإسلام والمسلمين، في الوقت الحاضر .. وقد شكوناه إلى رب العالمين.

رابعا: إنّ الكنيسة ليست بعيدة عن تلك الحملة على الأزهر، ولقد جاءت الهجمة على الأزهر تحت قبة البرلمان على يد المدعو "محمد أبو حامد" فتى الكنيسة و"نجيب ساويرس"، وعضو مجلس شعب السيسي؛ حيث كان المخترِعَ والمتبنِّيَ لمشروع قانون تحجيم الأزهر، وتفريغه من مضمونه، وتجريده من رسالته، في كل هيئة من هيئاته.
وقد أطلقت الكنيسةُ هي الأخرى أذرعَها الإعلامية ليكون لها كِفْلٌ من الغارة على الأزهر، ولتمارس الابتزاز الرخيص، بحجة محاربة الإرهاب والاضطهاد الكامن في مناهج الأزهر.

كما أنّ الانقلاب العسكريّ العلمانيّ قد أتاح للكنيسة أن تصول وتجول في أنشطتها التنصيرية، وليس كالأزهر عقبةٌ أمام مخططاتِها.

ومن المسلَّمات لدى قادة التنصير في العالم والمتواتر عنهم: أنّ الأزهر يمثل صخرة صُلبة تتحطم عليها معاولُ هدمهم، وتتلاشى بسببها خططهم.

وقد كتب أحدُ المبشِّرين (المنصِّرين) في بداية القرن العشرين الميلاديّ يقول: "سيظل الإسلام صخرة عاتية تتحطم عليها كلُّ محاولات التبشير ما دام للمسلمين هذه الدعائمُ الأربع: القرآن، والأزهر، واجتماع الجمعة الأسبوعيّ، ومؤتمر الحج السنويّ العام".

وإنا لعلى يقين مِن أنّ الله تعالى سيُحبِط كيدهم، ويرده إلى نحورهم.

{وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} [سورة فاطر: 43].

 

المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي نافذة مصر