عزت النمر :
يبدو أن أحداث ما سُمِّي بثورة الغلابة وإن مرت سريعاً إلا أنها كانت كاشفة وخَطَّت معالم هامة على جدار الثورة. كما أنها أرسلت رسائل عميقة وهامة إلى النخبة الثورية المصرية كانت فعلاً في مسيس الحاجة لاستيعابها والإقرار به.
ما أقصده بالنخبة الثورية هي كل مفردات الثورة من أفراد ورموز وكيانات وهيئات وجماعات, وطبيعي أن تنقسم هذه المعالم وبالضرورة رسائلها إلى نوعين مختلفين كلاهما يتناسب بحسب التباين الطبيعي في مفردات النخبة.
رسالة موجهة بمنتهى الوضوح لأفراد ورموز وكيانات الثورة وهيئاتها المختلفة, والرسالة الثانية إنما تخص جماعة الإخوان المسلمين وقادتها وأنصارها.
أما رسالة الأولين فأتت حاسمة جلية يفترض أنها تحملهم على الإقرار بأن المُحَرك الرئيس للشارع وشاسيه الثورة وهيكل الصمود وكتلة ورصيد الفعل الثوري إن وجد في ثنايا هذا الشعب وربما الأمة فإن قدره الأوفى والأفر أن يكون في جماعة الإخوان المسلمين.
وأن أي حراك أو تغيير أو مواجهة فضلاً عن ثورة كاملة الأركان فإنها تنبني أولاً على رجال وشباب ونساء بل وأطفال الإخوان وأنصارهم, وأن لا شيء يمكن أن يقوم بغيرههم.
هذه الحقيقة رسخت بواقعية في الحراك المذكور ولا تحتمل مزيد من المكابرة, وتعلن أن استمرار قطاعات من النخبة في الاستعلاء والانتفاخ غير المبرر ليس له إلا أحد تفسيرين؛ إما أنه زُهْد في جدية التغيير ومتاجرة به والتفاف عليه ومناوئه له, أو أنه محاولة استغلال رخيصة لأدب الإخوان في زهوة ضالة من شبق الذات وأنانية كذوب على حساب الشعب والوطن.
وهي في ذات الوقت متاجرة بالوطنية واستخدام رخيص للمبادئ والقيم والشعارات كورقة سياسية لن تفلح في ستر العورة والاختباء خلف سواتر شفافة زائفة.
رسالة الأحداث إلى هؤلاء جميعاً؛ لقد بدت العورات وانكشفت السوءات ولم يعد من سبيل للنجاة إلا مصارحة جادة مع النفس وسعي واجب للإصطفاف الحقيقي مع الإخوان والاحتماء بهم. وهذا لا يمنع أبداً من تقديم النصح لهم كلٌ بما يملك شريطة أن ترتدي النصيحة ثوب الود والإكبار.
وللحق فإن أمام نخبتنا هذه فرصة ذهبية حيث أن الإخوان في لحظتهم الراهنة أقرب إلى التجرد والتواضع وإنكار الذات, كما أن جراحاتهم القريبة تعصمهم من المِنِّة على أحد, وليس من خُلُقهم المعايرة أو التعالي والاستكبار.
فضيلة الإقرار بهذه الحقائق من النخبة سيقابلها فضيلة الاستيعاب والتعاون الودود من الإخوان, مما يجعل الأمر أيسر في حفظ كرامة الجميع ويساهم في اصطفاف كريم يستخرج كل الإمكانات ويستفيد بكل الطاقات والقدرات ويخلق قيادة جديدة وجديرة وجادة وقادرة على التغيير للثورة المصرية.
بعد كل ما أظهره الواقع وكشفته الأحداث خلال سنوات ثلاث من عمر الانقلاب وخمس من ثورة يناير؛ لا أعتقد ولا أتمنى أن يظل أفراد ورموز وكيانات الثورة تتذاكى على الواقع وتتوهم أنهم بمجرد لافتة منزوعة الدسم و" لوجو" يمثل قناع جميل ليس له من الحقيقة ظل أو عمق, يمكن أن يكونوا عصب الحراك ولا رأس حربته، ويعتبروا الإخوان مجرد مقاولي أنفار أو محركين من الباطن لحساب الغير وعلى شروطهم.
قشرة النخبة المصرية الجادة التي تريد التغيير حقيقة ــ من الليبراليين المحترمين أو الاسلاميين الطيبين أو حتى الوطنيين من القوميين ــ اذا ظنت أنهم يمكن أن يكونوا بغير الإخوان أو أن يحققوا نتيجة بمفردهم, فهذا خطأ عليهم أن يتداركوه وخطيئة يلزمها توبة نصوح وأوبه عاجلة, قبل أن يستهلكهم الوقت في هذا التيه الفاشل والضلال الغاشم والإفك القديم.
كذلك إذا ظلت تلك النخبة الرقيقة الحجم تنتظر من الغرب نصرته ودعمه ويده القوية لمجرد أن ينفضوا أيديهم من الإخوان, فأقول وبمنتهى الصدق فإن الغرب حين يُسَوِّق لهذا الفسوق إنما يجردكم من سلاحكم ويحرمكم من مصدر قوتكم وعزكم.
الأمر لا يحتاج لأكثر من نظرة بسيطة في الواقع والتاريخ لتعلموا وتوقنوا أن غطاء الغرب ماهو إلا عُرْي مشين, وأن الأمم ما انتصرت في شرق ولا غرب إلا حينما استجمعت قوتها واستمسكت بأسباب نصرها وتواضعت فيما بينها, وأعرضت عن نصائح الغرب الخبيثه وأعطت ظهرها لغدراته المكرورة وتأبت على نعومة مظهره وسموم مخبره.
أما المَعْلم الآخر والرسالة العميقة الثانية التي أفرزتها أحداث ذلك الحرك المبشر؛ إنما هي لجماعة الإخوان المسلمين وقادتهم, وهي تقول لهم وبوضوح: يبدو أن التاريخ سينصفكم شريطة أن تنتصفوا أنتم من أنفسكم, والمتأمل في أحداث التاريخ القريب ومستجداته اليومية يجد أن كل الأمور تجري لصالحكم، وكأن الظلم الفادح الذي نالكم والقهر الغاشم الذي أنهككم استدار اليوم لينال من كل ظالم ويشرب منه كل من أعان عليكم, بل يسكب ويلاته على كل من صمت وكانت له قدرة على الإنكار والرفض.
أيها الإخوان لستم ملائكة وأنتم تعرفون ذلك, ولكن ربما أنتم خير الخطائين وقد أتت لكم فرصة العودة والأوبة.
آن الأوان أن تستعدوا لأداء واجبكم ونصر أمتكم وتحرير طنكم بشرط أن تتعالوا على جراحاتكم وتنظموا صفوفكم وتستقيموا على قلب رجل واحد، وأن تستعيدوا لحمتكم وأن يستعيد صفكم ثقته بنفسه واعتزازه بتاريخه وثقافته وقيادته.
عليكم أن تفتحوا أبواب الأمل ونوافذ الفكر والعمل وتنفتحوا على كل رأي واقتراح من داخل الصف ومن خارجه طاعة مفروضة وواجباً عينياً وليس من قبيل النوافل أو المندوبات.
هذه رسائل ونصائح أفرزتها الأحداث لنخبتنا الثورية من أقصى اليمين لأقصى اليسار أحسب أنهم إن تقبلوها بقبول حسن واستجابوا لها بقليل من التجرد والإخلاص يمكن أن يجدوا أنفسهم على جادة النصر وصراطه المستقيم.
وحينها فقط يمكن أن يكون النصر والحرية والاستقلال والتمكن أقرب إلينا جميعاً من حبل الوريد.
المقال يعبر عن رأي كاتبه، ولايعبر بالضرورة عن رأي نافذة مصر