حازم سعيد :

كتبت آخر مقالة عن السلمية وثوابت دعوة الإخوان المسلمين ، وكنت أتحدث فيها عن حوار دار مع بعض دوائرنا عن السلمية وكأنها من ثوابت دعوة الإخوان ، لأفاجئ بعدها بيومين ثم بأربعة أيام بمقالتين لعضوين بآخر مكتب إرشاد قبل الانقلاب هما الدكتور الفاضل المحترم عبد الرحمن البر ، والمحكوم عليه غيابياً في أحد القضايا بالإعدام ، ثم الدكتور محمود غزلان والمعتقل ابناه وخطيب ابنته وأخو زوجته  ...

وجاءت المقالتان كأحد ما لم يمكن لعقلي الشطط في التفكير فيه أو تخيله مجرد تخيل أو توهم ، أن يتحدث أحد قادة الإخوان المسلمين الذين عايشوا نكبتنا مع الانقلاب العسكري وما أجرمه في حق الدماء البريئة والأعراض المكرمة المصونة ، ثم يتحدث عن السلمية مع مثل هؤلاء ، ذلك ما لم يمكن لعقلي أن يشط أو يتوهم فيذهب إليه !

لذا وجبت هذه المقالة ...

ملحوظة بين يدي المقال : ( تعمدت في المقدمة أن أذكر أنواع البلاء الذي يعانيه كلا الفاضلان المحترمان حتى لا يظن أحد أني يمكن أن أزايد أو أنتقص من مشايخ أو قادة للإخوان ولو سابقاً ، فما هكذا تربينا في الإخوان ولا تعلمنا ، أنا فقط أنقد فكرهما وطريقتهما المنهجية وأسجل اعتراضي الكامل عليها بعد ما حدث لنا ، وأنكر عليهما ثباتهما وجمودهما على ما كنا عليه أيام مبارك أو السادات كما أنكر عليهما وعلى غيرهما أن ينسبوا لمنهج الإخوان ما ليس فيه ... الوضع تغير أيها السادة مع كامل احترامي وتقديري واعترافي بفضلهما وكونهما قيادة للإخوان في وقت ما .... ) .

تحرير المصطلحات .. معنى السلمية 

وهنا ينبغي لي وأنا أعلن اختلافي الكامل – مع كامل احترامي – للجليلين الفاضلين ، حتى تتحرر المسألة ، أن أحرر المصطلحات حتى نفقه معناها ومبناها .

إن كان مقصودهم من السلمية : أن نتعامل مع المصريين – عموم المصريين – الذين لم ينتهكونا أو يؤذونا في دمائنا أو أموالنا أو حرماتنا أو أعراضنا .. إن كان مقصودهم أن نتعامل مع هؤلاء بالحكمة والموعظة والجدال بالتي هي أحسن ، فهذا ما لم ننفك عنه ، ولم يختلف حوله إنسان ، وهذا هو حال الإخوان وسيظل حالهم ، ذلك أن دعوتهم كلها رحمة وشفقة وبر بالخلق وستظل كذلك حيث نستمد دعوتنا من دعوة الإسلام الخالد الشامل .

ولكنهم للأسف يتحدثون عن التعامل مع مجرمي الانقلاب من العسكر الخائنين الآثمين القتلة والشرطة الخائنة المجرمة والقضاء المتواطئ والإعلام المحرض ، هؤلاء الذين ارتكبوا موبقات : الخيانة – والقتل – والاعتقال بغير وجه حق – والاغتصاب وانتهاك الأعراض المصونة والحرمات – ومصادرة الأموال – والطرد والنفي والإبعاد – وتشويه السمعة – وتلقيق التهم ، والتعذيب البشع في السجون ، والتحريض على القتل – والتضييق على بيوت الله – ونشر الرذيلة والمنكر ومحاربة المعروف – والتمكين لأعداء الله والشريعة وطرد وإبعاد والتضييق على أولياء الله وعامري بيوته ...

بعد كل هذه الجرائم يتحدث هؤلاء الأفاضل المحترمون عن السلمية مع مثل هؤلاء المجرمين ، فبأي منطق وبأي شرع .

هذه ليست سلمية يا سادة ، بل هي خنوع وذل وصغار وترك للجهاد ، وسلبية لم نعرفها أبداً في الإخوان ، ولا يمكن أن تكون مستمدة من الإسلام ، ولا يمكن أن يقنعني أحد أن مثل هذه يطلق عليها : سلمية !!!

 

لماذا أنكرنا على حزب النور ؟

إن كان الأمر كما يدعي هؤلاء الفاضلان فلماذا أنكرنا واختلفنا مع حزب النور ؟ على الأقل حزب النور كان صريحاً وواضحاً في منهجه منذ البداية والذي رميناه حينها بسببه بالخيانة ونقض المواثيق والعهود ، فما بالك أن يصدر هذا المنطق من داخل صفنا الإخواني وبعد الأشواط التي قطعناها !!! ، لماذا إذن خضنا ما خضناه – بقراراتكم أيها السادة – من المشاركة في الثورة ثم اختيار المسار الدستوري ، ثم التنحي عن مشاركات ثورية في مناسبات والخوض في أخرى ، ثم المشاركة البرلمانية والمغالبة فيها ، ثم الدخول في المنافسة الرئاسية مع ما جره ذلك كله لنا من بلايا ومصائب وامتحانات ( وامتهانات ) ، ثم اعتصام رابعة والنهضة في موجة ثورية ضخمة ترتب عليها ما ترتب من المذابح ، وكان الدكتور البر فيها أحد قادة ورواد منصة رابعة ، وما أدراك ما خطاب منصة رابعة .

ثم الآن بعد ما جرى ما جرى نعود فنسلك مسلك حزب النور ، ونعتزل الثورة ونفرغها من مضمونها بادعاء السلمية وعصمة الدماء ( المجرمة ) التي أصبحت صنماً نقدسه ، والتي أصبحت موجباً لتعطيل فريضة الجهاد الذي هو ذروة سنام الأمر وتفريغه من مضمونه لمضامين فرعية ، ولتتحول السلمية التي هي ضد الجهاد إلى مرادف للجهاد في تحوير وتحريف للنصوص والمعاني .

 

أي دين هذا ؟

ثم أي دين هذا الذي يرضى الله لنا فيه أن يقتل إخواننا وتسفك دماؤهم غدراً ثم نسكت ونقول أن السلمية أقوى من الرصاص .

وأي دين هذا الذي يرضى الله لنا فيه أن يحكم على إخواننا ظلماً وجوراً وبهتاناً وفي محاكمات تمثيلية قميئة باطلة بالإعدام لينتظرها إخواننا ولتنفذ فعلياً في بعض إخواننا الآخرين ( عرب شركس ومحمود رمضان ) – تقبلهم الله شهداء – وندير لعدونا خدنا الأيسر ليقتلنا فيه ومن خلاله ؟!

وأي دين هذا الذي يرضى الله سبحانه لنا فيه أن تغتصب نساؤنا في السجون وفي عربات الترحيلات ، ثم نحن نغمض العينين ونكظم الغيظ ونقول أن سلميتنا تغيظ عدونا ؟!

وأي دين هذا الذي تصادر فيه أموالنا وتنتهك فيه حرماتنا ويطارد فيه إخواننا ويبعدون وينفون ، ثم يرضى الله لنا فيه أن نسكت ونهادن ونوادع ونقول أننا سننتصر بسكوتنا وهدوئنا وموادعتنا ؟!

بعد كل هذه الجرائم نأتي وندعي أن السلمية ثابت من ثوابت دعوتنا وأنها أصل من أصولنا ، حتى لو قالها بعض منظرينا يوماً ما – عليهم رحمة الله – فوالله ليس هذا بالحق ولا هذا بالذي بايعنا عليه حين قلنا أن الجهاد سبيلنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا .

ولقد حارب أبو بكر الصديق رضي الله عنه المرتدين حين منعوا عنه زكاة المال رغم أنهم لم يعلنوا المروق من الدين ، وأصبح قتال مانعي الزكاة مرادفاً في اللاوعي لقتال المرتدين ، وقال أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه بعد أن حاور أبو بكر أنه لما رأي عزمة أبي بكر عرف أنه الحق ، أو كلمة نحو ذلك .

لقد علمنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم العزة والثبات والقوة في الحق والجهاد – بمعناه الحقيقي – ضد الباطل وأهله وضد البغاة وضد القتلة والمفسدين في الأرض ، وعلمنا ذلك صحابته الكرام رضوان الله عليهم أجمعين ، أفنغادر ما علمناه رسولنا الكريم وصحابته الأطهار إلى اجتهادات بشر ليس عليها سلطان أو دليل ؟!! هذا والله ما لا يكون أبداً .

وإن ادعاء أن السلمية ثابت من ثوابت دعواتنا لهو مخالفة صريحة لأصول الدين الذي بعث فيه الرسول صلى الله عليه وسلم بالسيف بين يدي الساعة ، وجعل فيه رزقه تحت ظل رمحه .


فقه الواقع .. وفشل مسار التغيير الديمقراطي

ولقد أثبت واقع الانقلاب وما ارتكبه من خيانة وموبقات أن مسار التغيير السلمي الديمقراطي خدعة كبيرة جداً ، وأن التغيير وكسر الانقلاب وتولية الصالحين لا يمكن أن تكون بمظاهرات أو تغيير ديمقراطي يرعاه خونة العسكر الذين هم أداة الصليبية والصهيونية ، وإن هذا لهو الوهم الكبير ، لقد أثبت واقع الانقلاب أن الحقوق لا توهب ، بل تنتزع بالقوة والجهاد ، وأن الديمقراطية هي صنم عجوة طالما عبده بنو قومنا من الانقلابيين فلما جاعوا أكلوه .

لقد أثبت الواقع أن الحق الذي يسعى أصحابه لتوطيده بغير قوة ضائع وذاهب سدى ، وذاهبة معه نفوس المؤمنين حسرات .

وأثبت الواقع أن أنصار الحق إذا لم يتمتعوا بالقوة اللازمة الكافية لإرهاب عدو الله وعدو الحق فسيصبحون نهباً مستباح وكلأً رخيص مباح .

لن تتغير بلادنا بالسلمية والديمقراطية ، لن تتغير إلا إذا كانت لك شوكة تحمي الحق الذي تحمله ، وسلوا جبهة الإنقاذ الجزائرية ، وسلوا الرئيس مرسي ورفاقه الصالحين في محبسهم ، وسلوا رفات شهدائنا في رابعة ، وسلوا بناتنا ونساءنا المغتصبات على يد الكلاب المجرمين ، وسلوا علمانيي تونس الذين يتحدثون الآن عن الإرهاب كمقدمة لاجتثاث الإسلاميين ، وسلوا اليمن والحوثيين ، وسلوا في المقابل القسام في غزة وصمودهم ضد اليهود ، الذين تركوا وكلاء لهم هنا تحت مسمى العسكر والشرطة .

سلهم ، يبنئونك جميعاً في صوت واحد : الحق إذا لم تكن له قوة تحميه فإن معنى ذلك الإبادة .

 

حين يمتدحني عدوي لاتخاذي السلمية مساراً .. وتعلق القلوب برأي عدويي

يؤكد ذلك امتداح مدبري الانقلاب من الصليبية العالمية والصهيونية للإخوان وأنهم جماعة غير إرهابية ، وثنائهم عليها لأجل ذلك .

لا أستطيع أن أتصور أن قلبي يتعلق بشهادة عدوي ، ولا أستطيع أن أظن في المؤمنين خيراً وأنا أراهم يصنعون ذلك ، بل هو الوهن الذي أورثناه والرغبة في الراحة والدعة واستثقال طريق الجهاد .

حين يمتدح عدوي الصليبي الصهيوني في أمراً ويحثني عليه ويثني علي لأجل ألا أذهب إلى غيره فعلي أن أرتاب ، إنهم يستدرجونني حتى لا أعد العدة ، وحتى لا أمتلك القوة ، وتتعلق قلوبنا بحكم بريطاني بأننا لسنا إرهابيين أو شهادة بيت أبيض أو أسود بأننا ضد الإرهاب ، وتصبح القوة عندي هي قوة الورد الرياضي ( بخمسة أو عشرة ضغط ) ، علي – حين أرى عدوي يستدرجني لذلك - أن أعدل سيري وأن أراجع منهجي ، وأتدبر أمري لتوفير القوة التي تمكن للحق وأهله .

 

خلاصة الأمر أني مصدوم مندهش متعجب أن يقع أفاضل أجلاء محترمون فيما وقع فيه هؤلاء الأفاضل فيذهبوا إلى غير الحق البين الجلي ، وأن يتحدث من عاشوا عمرهم أزماناً يرسخون فيه لمعني الجهاد الذي هو سبيلنا ، وأنا لا أزايد عليهم فلقد جاهدوا عمرهم ضد الطاغوت مبارك ومن معه وسجنوا واعتقلوا وحبسوا .. ولكنهم لما حان وقت الجهاد يقولون أن سلميتنا ثابت .. بئست السلمية هي .. ووالله لم أبايع عليه ولن أبايع على هذا ، ولو ذهبت قيادة الإخوان مذهب هؤلاء الأفاضل الأخيار وتركوا الجهاد وأداروا لعدوهم خدهم الأيسر ليضربهم عليه لما أكملت سيري معهم ، ولطبقت مقولة السلف : الجماعة ما وافق الحق ولو كنت وحدك ...

ولقد بايعت ضمن ما بايعت على : الجهاد سبيلنا ...

وليس هذا حالي وحدي ، بل قد لا أعلم من الإخوان أحداً على غير ما ذهبت إليه ، حتى قاصري الهمة عن أن يعدوا العدة على مستواهم الشخصي مع ذواتهم ، تجدهم رغم ذلك يعلمون أن الإعداد وصناعة الشوكة ، والرد على العسكر المجرمين لهو الحق والصواب ، ومن يتابع ردود الشباب على النت وصفحات الفيسبوك يعلم أن الجميع على مثل ما ذهبت إليه .. فالله أكبر ولله الحمد .

مع كامل الاحترام والإجلال والتقدير للأفاضل المكرمين ...

كبسولة : ما معنى المقاومة السلمية المبدعة ، إذا لم تكن رداً بالقوة والشوكة المنهكة على المجرمين الانقلابيين ؟ لا يوجد شئ الآن اسمه فعاليات مبدعة يا سادة ، حتى الفراشات ، وحتى السلاسل البشرية التي هي أهدأ وأخنع درجات الاعتراض وهي معارضة وليست ثورة .. حتى هذه تقابل بالرصاص الحي ، إنهم يختطفون الطلاب قاعات الامتحانات والبشر من البيوت ثم يضربونهم بالرصاص الحي في الصحراء ويلقون جثثهم نهباً لكلاب السكك ، إن كنتم تعرفون هذا الواقع وتكتبون ما كتبتم فتلك مصيبة ، وإن كنتم لا تعرفون فلا تكتبوا حتى تعرفوا ، حيث الحكم على شئ فرع عن تصوره ، وجزاكم الله خيراً .