د/عبد الرحمن البر :


(1) انقلاب باطل وكل ما ترتب عليه باطل:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد؛
فلا خلاف بين العقلاء أن ما قام به السفاح الدموي الخؤون وعصابته من خيانة الأمانة واستخدام الجيش المصري في انقلاب عسكري دموي على الرئيس الشرعي المنتخب والسلطة الشرعية هو من أكبر الكبائر، تجاوز أصحابه كل الحدود الشرعية والدستورية والأخلاقية والإنسانية، ولهذا فقد رفضه الشعب الحرالثائر -وفي القلب منه الإخوان المسلمون- بشكل قاطع، ولن يكتب له النجاح أبدا بإذن الله ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾ ﴿وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ﴾.
ولهذا فكل ما ترتب على هذا الانقلاب الدموي الخؤون من آثار باطل، فلا قبول على الإطلاق لما تقوم به السلطة المغتصبة من إجراءات، ولن تفلح كل محاولات التجميل المفضوحة الزائفة في تبييض الوجه الأسود للانقلاب، سواء من خلال محاولتهم فرض أمر واقع بقوة السلاح والعسف والظلم، أو من خلال تلك الإجراءات الشكلية والتمثيلية بالادعاء بالاستفتاء على الدستور، أو الانتخابات الرئاسية، التي يعلم القاصي والداني أنها تمثيليات باطلة، وصدرت عن جهة باطلة، ومن ثَمَّ فلا شرعية لها، ولا لأية قوانين أو قرارات صدرت عنها، لأن كل ما بُنِيَ على باطل فهو باطل ﴿إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ﴾

(2) ثوابت الثورة على الانقلاب الدموي وأهدافها:

- الرئيس الشرعي المنتخب هو الجهة الشرعية المعبرة عن إرادة الشعب، ولا يمكن التنازل عن ذلك أو الالتفاف عليه بأي حال من الأحوال ﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾.
- والبرلمان الشرعي المنتخب هو جهة التشريع المعبرة عن إرادة الشعب، ولا تنازل عن ذلك على الإطلاق.
- والقصاص للشهداء الذين طالتهم رصاصات الغدر الانقلابي واجب لا  يحق لأحد كائنا من كان أن يتنازل عنه أو يفرط فيه  ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.
- واستخلاص حقوق كل المضارين من الانقلاب الدموي حق لا يملك كائن من كان أن يساوم عليه، ولن يضيع حق وراءه مطالب.
- ومحاكمة كل المتورطين في هذا الانقلاب الدموي حق للأمة لا يمكن التسامح فيه أو المساومة عليه ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾.
- وانسحاب الجيش من الشوارع وعودته إلى ثكناته وحراسة حدود البلاد والامتناع نهائيا عن التدخل في الحياة السياسية مطلب ثوري لا تراجع في شيء منه.
- وإعادة هيكلة الشرطة لتقوم بممارسة مهامها في خدمة الشعب وضبط الأمن وحماية المواطنين واحترام منظومة الحقوق والحريات الأساسية والكرامة الإنسانية هدف ثوري لا مجال للمماطلة في تنفيذه.
  
(3) الانقلاب الدموي يحطم كل الحدود الأخلاقية والإنسانية في مواجهة الثوار ويفشل:

- لقد سعى الانقلابيون لقمع الثورة والثوار بكل ما طالته أيديهم من قوة ائتمنوا عليها لحماية الوطن، فخانوا الأمانة واستخدموا تلك القوة في ترويع الثوار ومحاولة إفشال الثورة، فـ﴿ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ. فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ﴾ فقتلوا الآلاف ، وجرحو واعتقلوا عشرات الآلاف، وروَّعوا الآمنين، وداهموا الأحياء والقرى على أمل إخماد صوت الثورة، لكنها اشتعلت أكثر وأكثر.
- وسَعَوْا عبر كل ما يملكون من وسائل إعلامية إلى وصم الثوار بالعنف والإرهاب عبر ترويج الأكاذيب والشائعات، وسعوا إلى تقسيم الشعب المصري وتأليب بعض أبنائه ضد بعض، لكنهم فشلوا في ذلك، واستمر الثوار يكشفون كل يوم عن الوجه المضيء لثورتهم السلمية المبدعة، واستمر الشعب الحر الحي يؤكد على وحدته ووعيه، فيما الانقلاب تنكشف سوءاته وأكاذيبه بشكل فضائحي ﴿وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا﴾.
- وقامت أجهزة الانقلاب بتدبير أعمال إرهابية في مناطق مختلفة من البلاد، وبذلت أقصى ما تستطيع في محاولة إلصاقها بالثوار، ولكن مسعاهم خاب، وتدبيرهم كان مكشوفا للقاصي والداني حتى من رعاتهم وداعميهم، في الداخل والخارج  ﴿وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾، ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾.

(4) الإبداع الثوري في مواجهة همجية الانقلاب:

- إزاء كل ذلك حرص الثوار على الإبداع والابتكار في ممارساتهم وفعالياتهم الثورية التي تقض مضاجع الانقلابيين وتؤكد استمرار الثورة ، حتى بدا واضحا لكل ذي عينين أن الثوار هم من يحرصون على هذا الوطن ومستقبله، وهم من يسعون لحماية هذا الشعب، وشعارهم الذي يلمسه الجميع ﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ في الوقت الذي يسعى فيه  الانقلابيون للتنكيل بالشعب ومحاولة إذلاله وإجباره على القبول بهم وفق مبدئهم الذي أعلنوه (إما أن نحكمكم بالعسف والظلم، وإما أن نقتلكم بالحديد والنار)، وهو المبدأ الذي سبقهم إليه فرعون حين قال للمؤمنين بموسى وهرون ﴿قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى﴾.
- إزاء كل هذا أخذت الحاضنة الشعبية للثورة في التوسع، بينما أخذت قواعد الانقلابيين تتآكل، خصوصا مع الفشل الذريع في كل المجالات، ومع الانكشاف الفاضح لكل الأوهام والأكاذيب التي حاولوا بها خداع البسطاء، فلم تصبح أم الدنيا (قد الدنيا) كما زعموا، بل صارت من أسوأ بلاد الدنيا ومن أتعس بلاد الدنيا، نتيجة الظلم والاستبداد الانقلابي العسكري الذي لا يحمل مشروعا سوى قتل الشعب ونهب ثرواته وإذلال وتهجير أبنائه، والاستسلام للصهاينة ومص دماء المصريين.

(5) ليس انقلابا مصريا ولا وطنيا:

- نشأ هذا الانقلاب أساسا خارج رحم الأرض المصرية، وبعيدا عن أخلاق الوطنية المصرية، فكان نتيجة استسلام السفاح وعصابته العسكرية لأحلام الزعامة، ولرغباتهم في تحصيل الثروة بأي طريق، وهو ما تلقفه الغرب الصهيو أمريكي، بالاتفاق مع الأنظمة السلطوية الرجعية التي وفرت الدعم المالي والغطاء الدولي والإقليمي للانقلابيين، ظنا منهم أن الشعب المصري الحر لن يقاوم مشروعهم الانقلابي الدموي، خصوصا مع عشرات المليارات من الدولارات التي قدمت بلا حساب لقادة الانقلاب المتعطشين للدماء والأموال، واكتشف الجميع من الشعب في الداخل ومن الممولين في الخارج أنها جميعا لم يصل منها شيء للمواطن المصري، الذي ازدادت وتزداد حياته بؤسا مع كل يوم يمر على هؤلاء الانقلابيين وهم جاثمون على صدر هذا الشعب الحر المصابر المجاهد.

- إضافة إلى ذلك فإن المكونات الرئيسية لعناصر الانقلاب الدموية في الداخل من عصابة العسكر وبعض الساسة المفلسين، وبعض رجال الأعمال الفسدة، وبعض الشيوخ ورجال الدين المنافقين، وأدواتهم الإعلامية، كل هؤلاء بعضهم أولياء بعض في الشر والفساد، ولا يجمعهم شيء سوى المصالح الأنانية الضيقة، والرغبة الآثمة في التسلط على الشعب وامتصاص دمائه وثرواته، والعداء لأي مشروع إسلامي أخلاقي وطني يحاصر أطماعهم وينتصر لحق وكرامة المواطن البسيط، ويعمل لاستقلال وقوة الوطن الحر، وليس لهؤلاءالانقلابيين مشروع سياسي جامع، ولا مشروع وطني جاذب، ولا مشروع فكري مقبول، ولا حضور شعبي حقيقي، ومهما جمعتهم المصالح والمطامع، فإن الأنانية والتباين بين أطماعهم ومصالحهم لا بد أن تفرقهم، ولن تلبث الصراعات أن تمزق كتلتهم، وهو ما يتضح يوما بعد يوم، وكل ذلك يزيد من إفاقة المخدوعين بهم، وتراجع المؤيدين لباطلهم يوما بعد يوم.  
 
(6) الجميع يدرك خسارة الرهان على الانقلاب الدموي: 

كما أدرك الشعب المصري أن هذا الانقلاب الذي رعته أياد خارجية لن ينجح في فرض نفسه على الشعب، فقد بدأ الرعاة الدوليون والإقليميون كذلك يدركون أنهم راهنوا رهانا خاسرا حين صدقوا الانقلابيين في أن خلايا الثورة قد ماتت في هذا الشعب الحر الحي، ولن يمضي كبير وقت حتى يلقي هؤلاء الرعاة بهذا المسخ الشائه في سلة القمامة غير مأسوف عليه، وهو ما يبدو أن الانقلابيين بدأوا  يدركونه وأخذوا في البحث عن رعاة جدد مثل روسيا وإيران، في محاولة مفضوحة لابتزاز الرعاة الأصليين، وهو تصرف تعيس من الانقلابيين، كاشف لمدى التخبط والفشل الذي يلاحقهم حيثما اتجهوا، على حد قول الله عنهم وعن أمثالهم من الخائنين ﴿وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ﴾. 

يتبع .